قوله : (فَباؤُ بِغَضَبٍ) الباء للحال ، أي : رجعوا ملتبسين بغضب ، أي : مغضوبا عليهم ، وقد تقدم ذلك.
قوله : (عَلى غَضَبٍ) في محلّ جر ؛ لأنه صفة لقوله : (بِغَضَبٍ) أي : كائن على غضب أي بغضب مترادف.
فصل في تفسير الغضب
في تفسير الغضب وجوه :
أحدها : لا بد من إثبات سببين للغضبين :
أحدهما : تكذيبهم عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وما أنزل عليه ، والآخر تكذيبهم بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم (١) ـ قاله الحسن والشّعبي وعكرمة وأبو العالية وقتادة.
وقال ابن عباس ومجاهد : الغضب الأول تضييعهم التّوراة وتبديلهم.
والثاني : كفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم (٢).
وقال عطاء ، وأبو عبيد : ليس المراد إثبات الغضبين فقط ، بل المراد إثبات أنواع من الغضب مترادفة لأجل أمور مترادفة صدرت عنهم نحو قولهم : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة : ٦٤] (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [آل عمران : ١٨١] وغير ذلك من أنواع كفرهم.
وقال أبو مسلم : المراد به تأكيد الغضب وتكثيره لأجل الكفر ، وإن كان واحدا إلا أنه عظيم.
وقال السدي : الغضب الأول بعبادتهم العجل والثاني بكتمانهم صفة محمد وجحدهم نبوّته(٣).
قوله : «مهين» صفة ل «عذاب» ، وأصله : «مهون» ؛ لأنه من الهوان ، وهو اسم فاعل من أهان يهين إهانة مثل : أقام ـ يقيم ـ إقامة ، فنقلت كسرة «الواو» على الساكن قبلها ، فسكنت «الواو» بعد كسرة ، فقلبت ياء.
والإهانة : الإذلال والخزي. وقال : «وللكافرين» ولم يقل : «ولهم» تنبيها على العلّة المقتضية للعذاب المهين ، فيدخل فيها أولئك الكفّار وغيرهم.
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٣٤٥) عن عكرمة وقتادة. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٧١).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٣٤٥) عن ابن عباس والأثر ذكره ابن هشام في «السيرة النبوية» (٢ / ١٩٠).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٣٤٦) ، عن السدّي.