معهم» في موضع خفض باللام ، و «معهم» صلتها ، و «معهم» نصب بالاستقرار.
فصل في بيان ما تشير إليه الآية
وهذا أيضا إشارة إلى وجوب الإيمان بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من وجهين :
الأول : أن محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم يتعلم [علما](١) ، ولا استفاد من أستاذ ، فلما أخبر بالحكايات والقصص موافقا لما في التوراة من غير تفاوت أصلا علمنا أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما استفادها من الوحي والتنزيل.
والثاني : أن القرآن يدلّ على نبوته ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فلما أخبر الله ـ تعالى ـ عنه أنه مصدق للتوراة ، وجب اشتمال التّوراة على الإخبار عن نبوته ، وإلّا لم يكن القرآن مصدقا للتوراة ، بل مكذبا لها ، وإذا كانت التوراة مشتملة على نبوته عليه الصّلاة والسّلام ، وهم قد اعترفوا بوجوب الإيمان بالتوراة لزمهم من هذه الجهة وجوب الإيمان بالقرآن.
قوله : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ) الفاء جواب شرط مقدر وتقديره : إن كنتم آمنتم بما أنزل عليكم فلم قتلتم الأنبياء؟ وهذا تكذيب لهم ؛ [لأن الإيمان بالتوراة مناف لقتل أشرف خلقه وذلك](٢) لأن التوراة دلّت على أن المعجزات تدلّ على الصدق ، وتدل على أنّ من كان صادقا في ادعاء النبوة كان قتله كفرا ، وإذا كان الأمر كذلك كان السعي في قتل يحيى وزكريا وعيسى ـ عليهمالسلام ـ كفرا فلم سعيتم في ذلك إن صدقتم في ادّعائكم كونكم مؤمنين بالتوراة؟
و «لم» جار ومجرور ، واللام حرف ، و «ما» استفهامية في محلّ جر ، أي : لأي شيء؟ ولكن حذفت ألفها فرقا بينها وبين «ما» الخبرية.
وقد تحمل الاستفهامية على الخبرية فتثبت ألفها ؛ قال الشاعر : [الوافر]
٦٦٥ ـ على ما قام يشتمني لئيم |
|
كخنزير تمرّغ في التّراب (٣) |
وهذا ينبغي أن يخصّ بالضرورة ، كما نص عليه بعضهم ، والزمخشري يجيز ذلك ، ويخرج عليه بعض آي القرآن ، كما قد تحمل الخبرية على الاستفهامية في الحذف في قولهم : اصنع بم شئت وهذا لمجرد التشبيه اللفظي.
وإذا وقف على «ما» الاستفهامية المجرورة ، فإن كانت مجرورة باسم وجب لحاق
__________________
(١) في ب : من علم.
(٢) سقط في ب.
(٣) البيت لحسان بن ثابت. ينظر ديوانه : (٧٩) ، ابن يعيش : ٤ / ٩ ، الأمالي الشجرية : ٢ / ٢٣٣ ، ٤ / ٢١٦ ، الهمع : ٢ / ٢١٧ ، الدرر : ١ / ٩٠ ، شواهد الشافية (٢٢٤) ، المغني : ١ / ٢٩٩ ، الأشموني : ٤ / ٢١٦ ، الخزانة : ٦ / ٩٩ ، معاني الفراء : ٢ / ٩٢ ، الدر المصون : ١ / ٣٠٤.