قال ابن فارس : «والعقل من شيات الثياب ما كان نقشه طولا ، وما كان نقشه مستديرا فهو الرّقم». ولا محلّ لهذه الجملة لاستئنافها.
فصل في المراد بالبر في الآية
اختلفوا في المراد بالبرّ في هذا الموضع على وجوه :
أحدها : قال «السّدّي» إنهم كانوا يأمرون النّاس بطاعة الله ، وينهونهم عن معصية الله ، وهم يتركون الطّاعة ، ويقدمون على المعصية (١).
وثانيها : قال «ابن جريج» : إنهم كانوا يأمرون النّاس بالصّلاة والزكاة ، وهم يتركونهما(٢).
وثالثها : كان إذا جاءهم أحد في الخفية لاستعلام أمر محمد صلىاللهعليهوسلم قالوا : هو صادق فيما يقول ، وأمره حقّ فاتبعوه ، وهم كانوا لا يتبعونه لطمعهم في الهدايا والصّلات التي كانت تصل إليهم من أتباعهم.
ورابعها : أن جماعة من اليهود كانوا قبل مبعث الرسول عليه الصّلاة والسّلام يخبرون مشركي العرب أن رسولا سيظهر فيكم ، ويدعو إلى الحقّ وكانوا يرغبونهم في اتباعه ، فلما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم حسدوه وكفروا به ، فبكّتهم الله ـ تعالى ـ بسبب أنهم كانوا يأمرون باتباعه قبل ظهوره ، فلما ظهر تركوه ، وأعرضوا عن دينه ، وهذا اختيار «أبي مسلم».
وخامسها : قال «الزّجّاج» : «إنهم كانوا يأمرون الناس ببذل الصدقة ، وكانوا يشحّون بها ، لأن الله ـ تعالى ـ وصفهم بقساوة القلوب ، وأكل الربا والسّحت».
فصل في سبب هذا التعجب
سبب هذا التعجّب وجوه :
الأوّل : أن المقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إرشاد الغير إلى تحصيل المصلحة ، وتحذيره عما يوقعه في المفسدة ، والإحسان إلى النفس أولى من الإحسان إلى الغير.
الثاني : أنّ من وعظ النّاس ، وأظهر علمه للخلق ، ثم لم يتّعظ صار ذلك الوعظ سببا لرغبة الناس في المعصية ؛ لأن الناس يقولون : إنه مع هذا العلم لولا أنه مطّلع على أنه لا أصل لهذه التخويفات ، وإلّا لما أقدم على المعصية ، وإذا كان الواعظ زاجرا عن المعصية ، ويأتي بفعل يوجب الجراءة على المعصية ، فكأنه جمع بين المتناقضين ، وذلك لا يليق بالعاقل.
__________________
(١) أخرجه الطبري في تفسيره (٢ / ٨).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٨).