قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٩٣)
قوله : (وَاسْمَعُوا) أي أطيعوا وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط ، وإنما المراد اعملوا بما سمعتم والتزموه ، ومنه قولهم : سمع الله لمن حمده ، أي : قبل وأجاب ؛ قال : [الوافر]
٦٦٧ ـ دعوت الله حتّى خفت ألّا |
|
يكون الله يسمع ما أقول (١) |
أي يقبل.
وقال الرّاجز : [الرجز]
٦٦٨ ـ والسّمع والطّاعة والتّسليم |
|
خير وأعفى لبني تميم (٢) |
فصل في التكرار
وفي هذا التكرير وجهان :
أحدهما : أنه للتأكيد ، وإيجاب الحجّة على الخصم.
الثاني : كرره لزيادته على دلالة وهي قولهم : (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) [فرفع الجبل لا شك أنه من أعظم المعجزات ، ومع ذلك أصرّوا على كفرهم ، وصرحوا بقولهم : (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) [النساء : ٤٦]](٣).
وأكثر المفسرين ذكروا أنهم قالوا هذا القول.
وقال أبو مسلم : يجوز أن يكون المعنى سمعوه فتلقوه بالعصيان ، فعبر عن ذلك بالقول ، وإن لم يقولوه كقوله تعالى : (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] وكقوله : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] والأول أولى ؛ لأن هذا صرف للكلام عن ظاهره بغير حاجة.
قوله : (وَأُشْرِبُوا) يجوز أن يكون معطوفا على قوله. (قالُوا : سَمِعْنا) ، ويجوز أن يكون حالا من فاعل «قالوا» أي : قالوا ذلك ، وقد أشربوا. ولا بد من إضمار «قد» ليقرب الماضي إلى الحال خلافا للكوفيين ، حيث قالوا : لا يحتاج إليها ، ويجوز أن يكون مستأنفا لمجرد الإخبار بذلك.
__________________
(١) ينظر اللسان : (سمع) ، القرطبي : ٣ / ٣١ ، روح المعاني : ١ / ٣٢٥.
(٢) البيت لجبير بن الضحاك. ينظر الطبري : ٢ / ٣٥٦ ، القرطبي : ٢ / ٢٣.
(٣) سقط في ب.