قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يجوز فيها الوجهان السابقان من كونها نافية وشرطية ، وجوابها محذوف تقديره : فبئسما يأمركم.
وقيل : تقديره : فلا تقتلوا أنبياء الله ، ولا تكذّبوا الرّسل ولا تكتموا الحق ؛ وأسند الإيمان إليهم تهكّما بهم ، ولا حاجة إلى حذف صفة ، أي : إيمانكم الباطل ، أو حذف مضاف ، أي : صاحب إيمانكم.
وقرأ الحسن : «بهو إيمانكم» بضم الهاء مع الواو.
فإن قيل : الإيمان عرض ، ولا يصح الأمر والنهي.
فالجواب : أن الدّاعي إلى الفعل قد يشبه بالأمر كقوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥].
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(٩٥)
وهذا نوع آخر من قبائح أفعالهم ، وهو زعمهم أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون النّاس ، ويدلّ عليه أنه لا يجوز أن يقال للخصم : إن كان كذا أو كذا فافعل كذا ، والأول مذهبه ، ليصحّ إلزام الثاني عليه.
ويدلّ على ذلك أيضا قولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] وقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] وقولهم : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [البقرة : ٨٠].
وأيضا اعتقادهم في أنفسهم أنهم هم المحقّون ؛ لأن النسخ غير جائز في شرعهم ، وأن سائر الفرق مبطلون ، وأيضا اعتقادهم أن انتسابهم إلى أكابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أعني : يعقوب وإسماعيل وإسحاق وإبراهيم ـ عليهمالسلام ـ يخلصهم من [عقاب](١) الله ـ تعالى ـ ويوصلهم إلى ثوابه ، فكذّبهم الله ـ تعالى ـ وألزمهم الحجّة ، فقال : قل لهم يا محمد : إن كانت لكم الدار الآخرة يعني الجنّة خالصة من دون النّاس ، فتمنوا الموت أي : فأريدوه واسألوه ؛ لأن من علم أن الجنة مأواه حنّ إليها ؛ لأن نعم الدنيا على قلّتها كانت منغصة عليهم بسبب ظهور محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومنازعته لهم بالجدال والقتال ، ومن كان في النّعم القليلة المنغصة ، وهو يتيقّن بعد الموت أنه ينتقل إلى تلك النعم العظيمة ، فإنه لا بد وأن يرغب في الموت.
وقيل : إن الله ـ تعالى ـ صرفهم عن إظهار التمنّي ، وقصرهم على الإمساك ليجعل ذلك آية لنبيه صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) في ب : عذاب.