وقرأ الجمهور : «فتمنّوا الموت» بضم الواو ، ويروى عن أبي عمرو (١) فتحها تخفيفا واختلاس الضمة ، وقرأ ابن أبي (٢) إسحاق بكسرها على التقاء السّاكنين تشبيها بواو (لَوِ اسْتَطَعْنا) [التوبة : ٤٢] المراد بها عندية المنزلة.
قال ابن الخطيب : «ولا بعد أيضا في حمله على [المكان](٣) فلعل اليهود كانوا مشبّهة ، فاعتقدوا العنديّة المكانية».
وقوله تعالى : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) هذا أمر متعلّق على أمر مفقود ، وهو كونهم صادفين ، فلا يكون الأمر موجودا ، أو الغرض إظهار كذبهم في دعواهم ، وفي هذا التمني قولان :
أحدهما : قول ابن عباس : إنهم أمروا بأن يدعو الفريقان بالموت على الفرقة الكاذبة.
والثاني : أن يقولوا : ليتنا نموت وهذا أولى ؛ لأنه أقرب إلى موافقة اللفظ.
قال عليه الصلاة والسلام : «لو تمنّوا الموت لغصّ كلّ إنسان بريقه وما بقي على وجه الأرض يهوديّ إلّا مات» وقال عليه الصلاة والسلام : «لو أنّ اليهود تمنّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النّار ولو خرج الّذين يباهلون [رسول الله صلىاللهعليهوسلم](٤) ، لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا» (٥).
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) كقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٩١].
فصل في سؤالات واردة
السؤال الأول : لعلّهم كانوا يعلمون أن نعم الآخرة عظيمة لا سبيل إليها إلّا بالموت ، والذي يتوقف عليه المطلوب يجب أن يكون مطلوبا لكونه وسيلة إلى ذلك المطلوب ، إلّا أنه يكون مكروها نظرا إلى ذاته ، والموت مما لا يحصل إلا بالآلام العظيمة ، وما كانوا يطيقونها ، فلا جرم ما تمنوا الموت.
السؤال الثاني : أنه كان لهم أن يقلبوا هذا السؤال على محمد صلىاللهعليهوسلم فيقولون إنّك تدّعي أن الدار الآخرة خالصة لك ولأمتك دون من ينازعك في الأمر ، فإن كان الأمر
__________________
(١) حكاه عنه الأهوازي.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٨١ ، والبحر المحيط : ١ / ٤٧٨ ، والدر المصون : ١ / ٣٠٧.
(٢) انظر السابق.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) أخرجه بهذا اللفظ أحمد (١ / ١٤٨) والطبري في «تفسيره» (٢ / ٣٦٢) وأبو يعلى كما في «مجمع الزوائد» (٨ / ٢٢٨).
وقال الهيثمي : وفي الصحيح طرف من أوله ثم قال : ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.