والثالث : أنّ من وعظ ، فلا بد وأن يجتهد في أن يصير وعظه نافذا في القلوب ، والإقدام على المعصية مما ينفّر القلوب عن القبول.
فصل في دفع شبه المبتدعة في اشتراطهم العدالة في الأمر بالمعروف
قال «القرطبي» : «احتجّت المبتدعة بقوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ،) وقوله تعالى : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٣] على أنه يشترط فيمن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر أن يكون عدلا.
قال : وهذا استدلال ساقط ؛ لأن الذم ـ هاهنا ـ إنما وقع على ارتكاب ما نهى عنه لا عن نهيه عن المنكر ، ولا شك أن النهي عن المنكر ممن يأتيه أقبح ممن لا يأتيه ، وأيضا فإن العدالة محصورة في القليل من الناس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام في جميع الناس.
وذكر عن «ابن عبد البر» أنه قال : أجمع المسلمون على أنه لا يجب على كلّ من قدر على إزالة المنكر أن يغيره إذا لم يحصل له بتغييره إلا اللّوم الذي لا يصل إلى الأذى.
فصل في ماهية العقل
قال بعض الفلاسفة : العقل جوهر لطيف في البدن ينبثّ شعاعه منه بمنزلة السّراج في البيت ، يفصل بين حقائق المعلومات.
ومنهم من قال : إنه جوهر بسيط ، ثم اختلفوا في محلّه.
فقالت طائفة منهم : محلّه الدّماغ ؛ لأن الدماغ محل الحسّ.
ومنهم من قال : محله القلب ؛ لأن القلب معدن الحياة ، ومادّة الحواس.
وقالت طائفة : محله القلب وله أشعة إلى الدماغ.
وقال «أبو الحسن الأشعري وأبو إسحاق الإسفراييني» وغيرهما : العقل هو العلم.
وقال «القاضي أبو بكر» : العقل علوم ضرورية بوجوب الواجبات ، وجواز الجائزات ، واستحالة المستحيلات.
واختار «أبو المعالي» في «البرهان» أنه صفة يتأتى بها درك العلوم.
وقال «الشافعي» : العقل غريزة.
وقال «أبو العبّاس القلانسي» : العقل قوة التّمييز.
وحكي عن «المحاسبي» أنه قال : العقل أنوار وبصائر.
فصل في خلق أفعال العباد
احتجّت المعتزلة بهذه الآية على أنّ فعل العبد غير مخلوق لله ـ تعالى ـ فقالوا قوله