منهم ، فقالوا له ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك ، فإنهم يمرّون علينا فيؤذوننا وأنت لا تؤذينا ، وإنا لنطمع فيك فقال عمر رضي الله عنه : والله ما آتيكم لحيّكم ولا أسألكم لأني شاكّ في ديني ، وإني أدخل عليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأرى آثاره في كتابكم فقالوا : من صاحب محمد الذي يأتيه من الملائكة فقال : جبريل فقالوا : ذاك عدونا يطلع محمدا على أسرارنا ، وهو صاحب كل عذاب وخسف وشدّة ، وإن ميكائيل يأتي بالخصب والسّلامة ، فقال لهم عمر رضي الله عنه : تعرفون جبريل ، وتنكرون محمدا ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فقالوا : نعم قال : فأخبروني عن منزلة جبريل وميكائيل من الله ـ عزوجل ـ قالوا : جبريل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره وميكائيل عدوّ لجبريل ، قال : فإن كان كما تقولون فما هما بعدوين ، ولأنتم أكفر [من الحمير ، وإني أشهد أنّ من كان عدوّا لجبريل فهو عدو لميكائيل ، ومن كان عدوا لميكائيل فهو عدو لجبريل ، ومن كان عدوا لهما فإن الله ـ تعالى ـ عدوّ له ، ثم رجع عمر فوجد جبريل ـ عليهالسلام ـ قد سبقه بالوحي ، فقرأ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هذه الآيات وقال : لقد وافقك ربك يا عمر ، فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ فقد رأيتني بعد ذلك في دين الله ـ تعالى ـ أصلب من الحجر](١).
وثالثها : قال مقاتل : زعمت اليهود أن جبريل ـ عليهالسلام ـ عدوّنا ، أمر أن يجعل النبوة فينا ، فجعلها في غيرنا فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآيات.
قال ابن الخطيب : والأقرب أن يكون سبب عداوتهم لا أنه كان ينزل القرآن على محمد ـ صلىاللهعليهوسلم لأن قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ٩٧] مشعر بأن هذا التنزيل [لا ينبغي أن يكون سببا للعداوة ؛ لأن إنما فعل ذلك بأمر الله ، فلا ينبغي أن يكون سببا للعداوة ، وتقرير هذا من وجوه :
أولها : أن الذي نزله جبريل من](٢) القرآن [الذي نزل به فيه](٣) بشارة المطيعين بالثواب ، وإنذار العصاة بالعقاب ، والأمر بالمحاربة والمقاتلة لم يكن ذلك باختياره ، بل بأمر الله تعالى الذي يعترفون أنه لا محيص عن أمره ، ولا سبيل إلى مخالفته فعداوة من هذا سبيله توجب عداوة الله ـ تعالى ـ وعداوة الله ـ تعالى ـ كفر ، فيلزم أن معاداة من هذا سبيله كفر.
ثانيها : أن الله تعالى لو أمر ميكائيل بإنزال مثل هذا الكتاب ، فإما أن يقال : إنه كان [يتمرد أو يأبى] عن قبول أمر الله ، وذلك غير لائق بالملائكة المعصومين ، أو كان يقبله وينزل به على وفق أمر الله ، فحينئذ يتوجه على ميكائيل ما ذكروه على جبريل ـ عليهماالسلام ـ فما الوجه في تخصيص جبريل بالعداوة؟
وثالثها : أن إنزال القرآن على محمد ـ عليهالسلام ـ كما شق على اليهود ، فإنزال
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.