فصل في فضل الصلاة
خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويها بذكرها.
وكان عليه الصلاة والسّلام «إذا حزبه أمر فزع إلى الصّلاة» (١).
ومنه ما روي عن عبد الله بن عبّاس أنه نعي إليه أخوه قثم ـ وقيل بنت له ـ وهو في سفر فاسترجع وقال : عورة سترها الله ، ومؤنة كفاها الله ، وأجر ساقه الله ، ثم تنحّى عن الطريق وصلّى ، ثم انصرف إلى راحلته وهو يقرأ : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)(٢).
فالصلاة على هذا التأويل هي الشرعية.
وقال قوم : هي الدعاء على عرفها في اللّغة ، فتكون الآية على هذا التأويل مشبهة لقوله تعالى : (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ) [الأنفال : ٤٥] ؛ لأن الثبات هو الصبر ، والذكر هو الدعاء.
وقال مجاهد : الصبر في هذه الآية الصّوم ، ومنه قيل لرمضان : شهر الصّبر ، فجاء الصّوم والصّلاة على هذا القول في الآية متناسبا في أن الصّيام يمنع من الشّهوات ، ويزهد في الدنيا ، والصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وتخشع ، ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر الآخرة.
وإنما قدم الصّبر على الصلاة ؛ لأن تأثير الصّبر في إزالة ما لا ينبغي ، وتأثير الصّلاة في حصول ما ينبغي.
وقد وصف الله ـ تعالى ـ نفسه بالصّبر كما في حديث أبي موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس أحد أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله ـ تعالى ـ إنهم ليدعون له ولدا وإنه ليعافيهم ويرزقهم» (٣). أخرجه البخاري.
قال العلماء : وصف الله تعالى بالصبر إنما هو بمعنى الحلم ، ومعنى وصفه ـ تعالى ـ بالحلم هو تأخير العقوبة عن مستحقّيها ، ووصفه ـ تعالى ـ بالصّبر لم يرد في التنزيل ، وإنما ورد في حديث أبي موسى وتأوله أهل السّنة على الحلم ، قاله «ابن فورك» وغيره.
__________________
(١) أخرجه أبو داود في السنن (١ / ٤٢٠ ـ ٤٢١) كتاب الصلاة باب وقت قيام النبي صلىاللهعليهوسلم من الليل حديث رقم (١٣١٩) وأحمد في المسند (٥ / ٣٨٨) ـ والخطيب في التاريخ (٦ / ٢٧٤) والطبري في التفسير (١ / ٢٠٥) ـ وذكره ابن كثير في التفسير (١ / ١٢٤ ، ٢٨٣) ـ والسيوطي في الدر المنثور ٥ / ١٨٥ والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم ١٣٢٥ والهندي في كنز العمال حديث رقم ١٨٠٠١.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٣١) وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح (٨ / ٤٧) كتاب الأدب باب الصبر على الأذى حديث رقم (٦٠٩٩) ـ وذكره القرطبي في التفسير ١ / ٣٧٣ والهندي في كنز العمال حديث رقم (٥٨١٤).