وإن كان نكرة لتخصيصه بالوصف ، والعامل فيها «نبذ» ، والتقدير : مشبهين للجهّال ، ومتعلق العلم محذوف تقديره : أنه كتاب الله لا يداخلهم فيه شكّ ، والمعنى : أنهم كفروا عنادا ؛ لأنهم نبذوه عن علم ومعرفة ؛ لأنه لا يقال ذلك إلّا فيمن يعلم.
قال ابن الخطيب (١) : ودلّت الآية من هذه الجهة على أن هذا الفريق كانوا عالمين بصحة نبوته إلا أنهم جحدوا ما يعلمون وقد ثبت أن الجمع العظيم لا يصح الجحد عليهم ، فوجب القطع بأن أولئك الجاحدين كانوا في القلّة بحيث تجوز المكابرة عليهم.
قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١٠٢)
قوله : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) : هذه الجملة معطوفة على مجموع الجملة السابقة من قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ) إلى آخرها.
وقال أبو البقاء : إنها معطوفة على «أشربوا» أو على «نبذ فريق» ، وهذا ليس بظاهر ؛ لأن عطفها على «نبذ» يقتضي كونها جوابا لقوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ).
واتّباعهم لما تتلو الشياطين ليس مترتبا على مجيء الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بل كان اتباعهم لذلك قبله ، فالأولى أن تكون معطوفة على جملة «لما» كما تقدم ، و «ما» موصولة ، وعائدها محذوف ، والتقدير : تتلوه.
وقيل : «ما» نافية ، وهو غلط فاحش لا يقتضيه نظم الكلام ، [ذكره] ابن العربي.
و «يتلو» في معنى «تلت» فهو مضارع واقع موقع الماضي ؛ كقوله : [الكامل]
٦٩٢ ـ وإذا مررت بقبره فاعقر به |
|
كوم الهجان وكلّ طرف سابح |
وانضح جوانب قبره بدمائها |
|
فلقد يكون أخا دم وذبائح (٢) |
أي : فلقد كان.
وقال الكوفيون : الأصل : وما كانت تتلو الشياطين ، ولا يريدون بذلك أن صلة «ما» محذوفة ، وهي «كانت» و «تتلو» في موضع الخبر ، وإنما قصدوا تفسير المعنى ، وهو
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ١٨٤.
(٢) البيتان لزياد الأعجم. ينظر الأمالي للقالي : ٣ / ١١ ، ابن الشجري : ١ / ٣٠٤ ، الخزانة : ٤ / ١٩٢ ، القرطبي : ٢ / ٣٠ ، البيان في غريب القرآن : ١ / ١١٣ ، الدر المصون : ١ / ٣١٨.