فصل في خرق الساحر للعادات
قال القرطبي رحمهالله تعالى : قال علماؤنا : لا ينكر أن يظهر على يد السّاحر خرق العادات مما ليس في مقدور البشر من مرض وتفريق ، وزوال عقل وتعويج عضو ، إلى غير ذلك مما قام الدليل على استحالة كونه من مقدورات العباد.
قالوا : ولا يبعد في السّحر أن يستدقّ جسم السّاحر حتى [يلج](١) في الكوّات والانتصاب على رأس قصبة ، والجري على خيط مستدق ، والطيران في الهواء ، والمشي على الماء ، وركوب كلب وغير ذلك.
ولا يكون السحر علة لذلك ، ولا موجبا له ، وإنما [يخلق] الله ـ تعالى ـ هذه الأشياء ، ويحدثها عند وجود السحر ، كما يخلق الشبع عند الأكل ، والرّي عند شرب الماء [روى سفيان عن عمار الدهني أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة يمشي على الحبل ، ويدخل في است الحمار ، ويخرج من فيه ، فاستل جندب (٢) السيف فقتله.
__________________
(١) في ب : يتولج.
(٢) جندب بن عبد الله ، ويقال : جندب بن كعب ، أبو عبد الله الأزدي ، صاحب النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
روي عن النبيّ ، وعن عليّ ، وسلمان الفارسي.
حدّث عنه : أبو عثمان النّهديّ ، والحسن البصريّ ، وتميم بن الحارث ، وحارثة بن وهب.
قدم دمشق ، ويقال له : جندب الخير ، وهو الذي قتل المشعوذ.
روى خالد الحذّاء ، عن أبي عثمان النهدي : أنّ ساحرا كان يلعب عند الوليد بن عقبة الأمير ، فكان يأخذ سيفه ، فيذبح نفسه ولا يضرّه ، فقام جندب إلى السيف فأخذه ، فضرب عنقه ، ثم قرأ : (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) [الأنبياء : ٣].
أخرجه الطبراني برقم (١٧٢٥) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا خالد الحذّاء ، وهو في «تهذيب ابن عساكر» ٣ / ٤١٣ ، وذكره المؤلف في «تاريخ الإسلام» ٣ / ٣ ، وقال : إسناده صحيح ، وأخرجه الدار قطني ٣ / ١١٤ إلا أنه قال جندب البجلي.
وروى إسماعيل بن مسلم : عن الحسن ، عن جندب الخير ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «حدّ السّاحر ضربه بالسيف».
ضعيف لضعف إسماعيل بن مسلم وهو المكي ، وهو في «سنن الترمذي» (١٤٦٠) في الحدود ، و «المستدرك» ٤ / ٤٦٠ ، و «الدار قطني» ٣ / ١١٤. قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، إسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث ، والصحيح عن جندب موقوف ، وضعّفه أيضا الحافظ في «الفتح» وقال المؤلف في «الكبائر» ص ٤٦ : الصحيح أنه من قول جندب. وقد أخرجه الطبراني (١٦٦٦) من طريق جندب البجلي ، فأخطأ.
وروي ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ؛ أن الوليد كان بالعراق ، فلعب بين يديه ساحر ، فكان يضرب رأس الرجل ، ثم يصيح به ، فيقوم خارجا ، فيرتدّ إليه رأسه ، فقال الناس : سبحان الله! ورآه رجل من صالحي المهاجرين ، فلما كان من الغد ، اشتمل على سيفه ، فذهب ليلعب ، فاخترط الرجل سيفه ، فضرب عنقه ، وقال : إن كان صادقا ، فليحي نفسه ، فسجنه الوليد ، فهرّبه السّجّان ؛ لصلاحه. ـ