ذلك زال عن النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك العارض ، ونزلت المعوّذتان بسببه.
وروي أن امرأة أتت عائشة رضي الله عنها : فقالت لها : إني ساحرة فهل لي من توبة؟ فقالت عائشة : وما سحرك؟ فقالت : صرت إلى الموضع الذي فيه هاروت وماروت ب «بابل» أطلب علم السحر ، فقالا لي : يا أمة الله لا تختاري عذاب الآخرة بأمر الدنيا فأبيت ، فقالا لي : اذهبي فبولي على ذلك الرماد ، فذهبت لأبول عليه ففكرت في نفسي فقلت لا أفعله وجئت إليهما فقلت قد فعلت ، فقالا لي ما رأيت لما فعلت؟ فقلت : ما رأيت شيئا فقالا لي : أنت على رأس أمر ، فاتقي الله ولا تفعلي فأبيت فقالا لي : اذهبي فافعلي فذهبت ففعلت ، فرأيت كأن فارسا مقنّعا بالحديد قد خرج من فرجي ، فصعد إلى السماء فجئتهما فأخبرتهما فقالا : إيمانك قد خرج عنك ، وقد أحسنت السحر.
فقلت : وما هو؟ قالا : ما تريدين شيئا فتصوّريه في وهمك إلا كان ، فصورت في نفسي حبا من حنطة فإذا أنا بحبّ فقلت : انزرع فانزرع ، فخرج من ساعته سنبلا فقلت : انطحن فانطحن من ساعته ، فقلت : انخبز فانخبز ، وأنا لا أريد شيئا أصوره في نفسي إلا حصل ، فقالت عائشة : ليس لك توبة (١).
فصل في أنّ معجزات الله ليست من قبيل السّحر
قال القرطبي رحمهالله تعالى : أجمع المسلمون على أنه ليس من السحر ما يفعل الله عند إنزال الجراد والقمل ، والضفادع ، وفلق البحر ، وقلب العصا ، وإحياء الموتى ، وإنطاق العجماء وأمثال ذلك من عظيم آيات الرسل عليهمالسلام ، والفرق بين السحر والمعجزة أن السحر يأتي به الساحر وغيره ، وقد يكون جماعة يعرفونه ، ويمكنهم الإتيان به في وقت واحد ، والمعجزة لا يمكن الله أحدا أن يأتي بمثلها.
فصل في أن العلم بالسحر ليس بمحظور
قال ابن الخطيب : اتفق المحققون على أن العلم بالسحر ليس قبيحا ولا بمحظور ؛ لأن العلم لذاته شريف وأيضا لقوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] ولأن الساحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة ، والعلم بكون المعجز معجزا واجب ، [وما يتوقّف الواجب عليه فهو واجب ، فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبا ، وما يكون واجبا] كيف يكون حراما وقبيحا. [ونقل بعضهم وجوب نقله عن المفتي حتى يعلم ما يقتل فيه وما لا يقتل فيفتي به في وجوب القصاص](٢).
__________________
(١) أخرجه الحاكم (٤ / ١٥٥ ـ ١٥٦) والطبري في «التفسير» (٢ / ٤٤٠ ـ ٤٤١) وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (١ / ٢٦٠ ـ ٢٦١).
وقال ابن كثير عقبه : فهذا إسناد جيد إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
(٢) سقط في ب.