فصل في أمور لا تكون من السحر ألبتة
قد تقدم عن القرطبي قوله : أجمع المسلمون على أنه ليس في السحر ما يفعل الله عند إنزال الجراد والقمل والضفادع وفلق البحر وقلب العصا وإحياء الموتى [وإنطاق العجماء](١) ، وأمثال ذلك من عظيم آيات الرسل عليهمالسلام فهذا ونحوه مما يجب القطع بأنه لا يكون ، ولا يفعله الله عند إرادة الساحر.
قال القاضي أبو بكر بن الطيب : وإنما منعنا ذلك بالإجماع ، ولولاه لأجزناه نقله القرطبي ـ رحمهالله تعالى ـ في تفسيره ، وأورد عليه قوله تعالى عن حبال سحرة فرعون وعصيهم : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) [طه : ٦٦] ، فأخبر عن إقلاب العصيّ والحبال بأنها حيّات.
فصل في أن الساحر كافر أم لا؟
اختلف العلماء في الساحر هل يكفر أو لا؟
اعلم أنه لا نزاع في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبّرة لهذا العالم ، وهي [الخالقة](٢) لما فيه من الحوادث ، فإنه يكون كافرا مطلقا ، وهو النوع الأول من السحر.
وأما النوع الثاني : وهو أن يعتقد [أن الإنسان تبلغ روحه](٣) في التصفية والقوة إلى حيث يقدر بها على إيجاد الأجسام والحياة والقدرة وتغيير البنية والشكل ، [فالظاهر](٤) إجماع الأمة أيضا على تكفيره.
وأما النوع الثالث : وهو أن يعتقد السّاحر أنه [بلغ](٥) في التصفية وقراءة الرّقى وتدخين بعض الأودية إلى حيث يخلق الله ـ تعالى ـ عقيب أفعاله على سبيل خرق العادة الأجسام والحياة والعقل وتغيير البنية والشكل ، فالمعتزلة كفروه وغيرهم لم يكفروه.
فإن قيل : إن اليهود لما أضافوا السّحر إلى سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال الله تعالى تنزيها له عنه : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ) [البقرة : ١٠٢] فظاهر الآية يقتضي أنهم إنما كفروا لأجل أنهم كانوا يعلمون السحر ؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، وتعليم ما لا يكون كفرا لا يوجب الكفر ، وهذا يقتضي أنّ السحر على الإطلاق كفر ، وأيضا قوله : (عَلَى الْمَلَكَيْنِ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [البقرة : ١٠٢].
قلنا : حكاية الحال يكفي في صدقها صورة واحدة ، فيحمل على سحر من يعتقد
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : الجاعلة.
(٣) في ب : أنه قد يبلغ روح الإنسان.
(٤) في ب : فالأظهر.
(٥) في ب : قد يبلغ.