وأجاز أبو البقاء أن يكون بمعنى واحد ، فتكون همزته بدلا من الواو.
فصل فيمن قال بأنهما ليسا من الملائكة
القائلون بأنهما ليسا من الملائكة احتجوا بأن الملائكة ـ عليهمالسلام ـ لا يليق بهم تعليم السحر ، وقالوا : كيف يجوز إنزال الملكين مع قوله : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) [الأنعام : ٨].
وأيضا لو أنزل الملكين ، فإما أن يجعلهما في صورة الرجلين ، أو لا يجعلهما كذلك ، فإن جعلهما في صورة الرجلين مع أنهما ليسا برجلين كان ذلك تجهيلا وتلبيسا على الناس وهو لا يجوز ، ولو جاز ذلك فلم لا يجوز أن كل واحد من الناس الذين تشاهدهم أنه لا يكون في الحقيقة إنسانا ، بل يكون ملكا من الملائكة؟ وإن لم يجعلهما في صورة الرجلين قدح ذلك في قوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) [الأنعام : ٩].
وأجاب القائلون بأنهما من الملائكة عن الأول بأنا سنبين وجه الحكمة في إنزال [الملكين](١) لتعليم السحر وعن الثاني : بأن هذه الآية عامة ، [وقراءة الملكين بفتح اللام متواترة وتلك](٢) خاصة والخاص مقدم على العام.
وعن الثالث : أن الله ـ تعالى ـ أنزلهما في صورة رجلين ، وكان الواجب على الملكين في زمان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أن يقطعوا على من صورته صورة الإنسان بكونه إنسانا ، كما أنه في زمان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان الواجب على من شاهد حية الكلبي ألّا يقطع بكونه من البشر ، بل الواجب التوقف فيه.
فصل في فساد رواية الزهرة
رووا قصة الزّهرة وما جرى لها مع الملكين.
ولهم في الزهرة قولان :
أحدهما : أنها الكوكب المعروف.
والثاني : أنها من بنات آدم ومسخت إلى هذا الكوكب.
وقيل : مسخت بها.
قال ابن الخطيب : وهذه الرواية فاسدة مردودة (٣) ؛ لأنه ليس في كتاب الله ـ تعالى ـ ما يدل عليها ، بل فيه ما يبطلها من وجوه :
الأول : الدلائل الدالة على عصمة الملائكة عليهمالسلام من كل المعاصي.
الثاني : أن قولهم : إنهما خيّرا بين عذاب الدنيا ، وبين عذاب الآخرة فاسد ، بل كان
__________________
(١) في ب : الملائكة
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : غير مقبولة.