لما باعوا به أنفسهم ، وهذا أحسن من تقدير أبي البقاء : لو كانوا ينتفعون بعلمهم لامتنعوا من شراء السحر ؛ لأن المقدر كلما كان متصيّدا من اللفظ كان أولى. والضمير في «به» يعود على السحر ، أو الكفر ، وفي «يعلمون» يعود على اليهود باتفاق.
قال الزمخشري (١) : فإن قلت : كيف أثبت لهم العلم أولا في : (وَلَقَدْ عَلِمُوا) على سبيل التوكيد القسمي ، ثم نفاه عنهم في قوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).
قلت : معناه : لو كانوا يعملون بعلمهم ، جعلهم حين لم يعملوا به كأنهم منسلخون عنه ، وهذا بناء منه على أن الضميرين في «علموا» و «يعلمون» لشيء واحد.
وأجاب غيره على هذا التقدير بأن المراد بالعلم الثاني العقل ؛ لأن العلم من ثمرته ، فلما انتفى الأصل انتفى ثمرته ، فصار وجود العلم كالعدم حيث لم ينتفعوا به كما سمى الله ـ تعالى ـ الكفا ر «صما وبكما وعميا» إذ لم ينتفعوا [بهذه الحواس](٢) أو يغاير بين متعلّق العلمين أي : علموا ضرره في الآخرة ، ولم يعلموا نفعه في الدنيا.
وأما إذا أعدت الضمير في «علموا» على الشياطين ، أو على من بحضرة سليمان ، أو على الملكين ، فلا إشكال لاختلاف المسند إليه العلم حينئذ.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١٠٣)
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا لَوْ) هنا فيها قولان :
أحدهما : أنها على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره ، وسيأتي الكلام في جوابها ، وأجاز الزمخشري رحمهالله تعالى أن تكون للتمني أي : ليتهم آمنوا على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم ، واختيارهم له ، فعلى هذا لا يلزم أن يكون لها جواب ، لأنها قد تجاب بالفاء حينئذ ، وفي كلامه اعتزال.
و (أَنَّهُمْ آمَنُوا) مؤول بمصدر ، وهو في محل رفع ، [وفيه قولان](٣) أحدهما ـ وهو قول سيبويه ـ : أنه في محلّ رفع بالابتداء ، وخبره محذوف تقديره : ولو كان إيمانهم ثابت ، وشذّ وقوع الاسم بعد (لَوْ) ، وإن كانت مختصة بالأفعال ، كما شذ نصب «غدوة» بعد «لدن».
وقيل : لا يحتاج هذا المبتدأ إلى خبر لجريان لفظ المسند والمسند إليه في صلة «أنّ».
وصحح أبو حيّان هذا في سورة «النساء» وهذا يشبه الخلاف في «أن» الواقعة بعد «ظنّ وأخواتها» ، وتقدم تحقيقه.
__________________
(١) ينظر الكشاف : ١ / ١٧٣.
(٢) في أ : بحواسهم.
(٣) في ب : واختلف في ذلك على قولين.