وثالثها : قال المهدويّ والماورديّ وغيرهما : أن يضمر في الكلام «بذنوبهم» ، فكأنهم يتوقعون لقاءه مذنبين ؛ لأن الإنسان الخاشع قد ينسى ظنه بيقينه وبأعماله.
قال «ابن عطية» : «وهذا تعسّف».
فصل في أوجه ورود لفظ الظن
قال «أبو العباس المقرىء» : وقد ورد «الظّن» في القرآن بإزاء خمسة معان :
الأول : بمعنى «اليقين» كهذه الآية ، ومثله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) [الحاقة: ٢٠] ، ومثله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) [البقرة : ٢٤٩].
الثاني : بمعنى «الشّك» قال تعالى : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثية: ٣٢].
الثالث : بمعنى «حسب» قال تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) [الانشقاق : ١٤] أي : حسب ألا يرجع ، ومثله : (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) [فصلت : ٢٢].
الرابع : بمعنى «الإنكار» قال تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ص : ٢٧] أي : إنكارهم.
والخامس : بمعنى «الجحد» قال تعالى : (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) [يونس : ٦٠] أي : وما جحدهم.
و «أن» وما في حيّزها سادّة مسدّ المفعولين عند الجمهور ، ومسدّ الأول والثاني محذوف عند «الأخفش» ، وقد تقدّم تحقيقه.
و «ملاقو ربّهم» من باب إضافة اسم الفاعل لمعموله إضافة تخفيف ؛ لأنه مستقبل ، وحذفت النون للإضافة ، والأصل : «ملاقون ربّهم» والمفاعلة ـ هنا ـ بمعنى الثلاثي نحو : عافاك الله.
قال «المهدوي» : قال «ابن عطية» (١) : وهذا ضعيف ؛ لأن «لقي» يتضمن معنى «لاقى». كأنه يعني أن المادّة لذاتها تقتضي المشاركة بخلاف غيرها من «عاقبت وطارقت وعافاك».
وقد تقدم أن في الكلام حذفا تقديره : ملاقو ثواب ربهم وعقابه.
قال «ابن عطية» : «ويصح أن تكون الملاقاة ـ هاهنا ـ بالرؤية التي عليها أهل السّنة ، وورد بها متواتر الحديث». فعلى هذا الذي قاله لا يحتاج إلى حذف مضاف.
و «أنّهم إليه راجعون» عطف على «أنهم» وما في حيّزها ، و «إليه» متعلّق ب «راجعون» ، والضمير : إما للرّبّ سبحانه ، أو للثواب كما تقدّم ، أو للقاء المفهوم من قوله : (أَنَّهُمْ مُلاقُوا).
__________________
(١) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ٣١٨.