وقال الزجاج : «هذه القراءة لا يتوجّه فيها معنى الترك ، لا يقال : أنسى بمعنى ترك».
قال الفارسي وغيره : «ذلك متّجه ؛ لأنه بمعنى نجعلك تتركها» ، وضعف الزجاج أيضا أن تحمل الآية على معنى النسيان ضد الذكر ، وقال : إن هذا لم يكن له ـ عليهالسلام ـ ولا نسي قرآنا.
[بدليل](١) قوله تعالى : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الإسراء : ٨٦] ، أي : لم نفعل شيئا من ذلك.
وأجاب الفارسي بأن معناه لم نذهب بالجميع.
قوله تعالى : (نَأْتِ) هو جواب الشرط ، وجاء فعل الشرط والجزاء مضارعين ، وهذا التركيب أفصح التراكيب ، أعني : مجيئهما مضارعين.
قوله : (بِخَيْرٍ مِنْها) متعلّق ب «نأت» ، وفي «خير» هنا قولان :
الظاهر منهما : أنها على بابها من كونها للتفضيل ، وذلك أن الآتي به إن كان أخفّ من المنسوخ ، أو المنسوء ، فخيريته بالنسبة إلى سقوط أعباء التكليف ، وإن كان أثقل فخيرته بالنسبة إلى زيادة الثواب. وقوله تعالى : (أَوْ مِثْلِها) أي : في التكليف والثواب ، وهذا واضح.
والثاني : أن «خيرا» هنا مصدرا ، وليس من التفضيل في شيء ، وإنما هو خير من الخيور ، كخير في قوله : (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : ١٠٥] و «من» لابتداء الغاية ، والجار والمجرور صفة لقوله «خير» أي : خير صادر من جهتها ، والمعنى عند هؤلاء : ما ننسخ من آية أو نؤخّرها نأت بخير من الخيور من جهة المنسوخ أو المنسوء.
وهذا بعيد جدّا لقوله بعد ذلك : «أو مثلها» فإنه لا يصح عطفه على «بخير» على هذا المعنى ، اللهم إلا أن يقصد بالخير عدم التكليف ، فيكون المعنى : نأت بخير من الخيور ، وهو عدم التكليف ، أو نأت بمثل المنسوخ أو المنسوء. وأما عطف «مثلها» على الضمير في «منها» ، فلا يجوز إلّا عند الكوفيين لعدم إعادة الخافض. وقوله : (ما نَنْسَخْ) فيه التفات من غيبة إلى تكلم ، ألا ترى أن قبله (وَاللهُ يَخْتَصُّ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ).
فصل في بيان معنى النسخ
قال ابن الخطيب (٢) : الناسخ عبارة عن طريق شرعي يدلّ على إزالة الحكم الذي كان ثابتا بطريق شرعي.
__________________
(١) في ب : واحتج بقوله.
(٢) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٢٠٦.