والنسخ جائز عقلا واقع سمعا ، ومن اليهود من أنكره عقلا ، ومنهم من جوّزه عقلا ، ومنع منه سمعا.
ويروى عن بعض المسلمين إنكار النسخ.
واحتج الجمهور من المسلمين على جواز النسخ ووقوعه ؛ لأن الدلائل دلّت على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ونبوته لا تصحّ إلا مع القول بنسخ شرع من قبله ، فوجب القطع بالنّسخ.
على اليهود إلزامان :
الأول : جاء في التوراة أن الله ـ تعالى ـ قال لنوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ عند خروجه من الفلك : «إني جعلت كل دابة مأكلا لك ، ولذريتك ، وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب وما خلا الدّم فلا تأكلوه».
ثم إنه ـ تعالى ـ حرم على موسى ، وعلى بني إسرائيل كثيرا من الحيوان.
الثاني : كان آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ يزوج الأخت من الأخ ، وقد حرمه بعد ذلك على موسى عليه الصلاة والسلام وعلى غيره.
قال منكرو النّسخ : لا نسلم أن نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا تصح إلّا مع القول بالنسخ ، لأن من الجائز أن يقال : إن موسى وعيسى ـ عليهما الصلاة والسلام ـ [أمر الناس بشرعهما إلى زمان ظهور شرع محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثم بعد ذلك أمر النّاس باتّباع محمد عليه الصلاة والسلام ، فعند ظهور شرع محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ زال التكليف بشرعهما ، وحصل التكليف بشرع محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ لكنه](١) لا يكون ذلك نسخا ، بل جاريا مجرى قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧] ومن أنكر وقوع النسخ من المسلمين بنوا مذهبهم على هذا الحرف ، وقالوا : قد ثبت في القرآن أن موسى وعيسى ـ عليهما الصلاة والسلام ـ قد بشرا في التّوراة والإنجيل بمبعث محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأن عند ظهوره يجب الرّجوع إلى شرعه ، وإذا كان الأمر كذلك فمع قيام هذا الاحتمال امتنع الجزم بوقوع النسخ.
فصل في حجج منكري النسخ
احتج منكرو النّسخ بأن قالوا : إن الله ـ تعالى ـ لما بيّن شرع عيسى عليه الصلاة والسلام ، فاللفظ الدال على تلك الشريعة ، إما أن يقال : إنها دالة على دوامها ، أو لا يدل على دوامها ، أو [لم يكن](٢) فيها دلالة على الدوام ، ولا على [عدم الدوام](٣) ، فإن بيّن فيها ثبوتها على الدوام ، ثم تبين أنها ما دامت كان الخبر الأول كذبا ؛ لأنه غير جائز على الشرع ، وأيضا فلو جوزنا ذلك لم يكن لنا طريق إلى العلم بأن شرعنا لا يصير منسوخا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : ما كان.
(٣) في ب : اللا دوام.