الأول ، فثبت بهذا التقسيم أن القول بالنسخ محال.
فصل في تحرير محلّ الاستدلال بالآية
قال ابن الخطيب (١) : والاستدلال بهذه الآية على وقوع النّسخ ضعيف ؛ لأن «ما» هاهنا تفيد الشرط والجزاء ، وكما أن قولك : «من جاءك فأكرمه» لا يدل على حصول المجيء ، بل على أنه متى جاء وجب الإكرام ، فكذا هذه الآية لا تدلّ على حصول النسخ ، بل على أنه متى حصل النسخ وجب أن يأتي بما هو خير منه ، فالأقوى أن تعوّل في الإثبات على قوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) [النحل : ١٠١] وقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [الرعد : ٣٩].
فصل في فوائد معرفة النسخ
قال القرطبي رحمهالله تعالى : معرفة هذا الباب أكيدة عظيمة ، لا يستغني عن معرفته العلماء ، ولا ينكره إلا الجهلة ؛ لما يترتب عليه من الأحكام ، ومعرفة الحلال من الحرام. روى أبو البختري قال : دخل علي ـ رضي الله عنه ـ المسجد ، فإذا رجل يخوف الناس ؛ فقال : ما هذا؟ قالوا : رجل يذكر الناس ؛ فقال : ليس برجل يذكر الناس! لكنه يقول : أنا فلان ابن فلان فاعرفوني ، فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟! فقال : لا ؛ قال : فاخرج من مسجدنا ولا تذكّر فيه.
وفي رواية أخرى : أعلمت الناسخ والمنسوخ؟ قال : لا ؛ قال : قد هلكت وأهلكت!.
ومثله عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فصل في أن للناسخ حقيقة هو الله
اعلم أن الناسخ في الحقيقة هو الله تعالى ، وسمي الخطاب الشرعي ناسخا تجوزا.
واحتجوا على وقوع النسخ في القرآن بوجوه :
أحدها : هذه الآية.
وأجاب عنها أبو مسلم بوجوه :
الأول : أن المراد بالآيات المنسوخة هي الشرائع التي في الكتب القديمة من التوراة والإنجيل ، كالسّبت ، والصلاة إلى المشرق والمغرب مما وضعه الله ـ تعالى ـ وتعبّدنا بغيره ، فإن اليهود والنصارى كانوا يقولون : لا تأمنوا إلا لمن تبع دينكم ، فأبطل الله عليهم ذلك بهذه الآية.
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٢٠٧.