يتصدق غير علي ـ رضي الله عنه ـ ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) [المجادلة : ١٣].
الحجة الرابعة : أنه ـ تعالى ـ أمر بثبات الواحد للعشرة بقوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال : ٦٥] ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال : ٦٦].
الحجة الخامسة : قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة : ١٤٢] ثم أزالهم عنها بقوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٤] قال أبو مسلم : «حكم تلك القبلة ما زال بالكلية جواز التوجيه إليها عند الإشكال ، أو مع العلم إذا كان هناك عذر».
الجواب : أن على ما ذكرته لا فرق بين «بيت المقدس» ، وسائر الجهات ، فالخصوصية التي امتاز بها «بيت المقدس» عن سائر الجهات قد زالت بالكلية ، فكان نسخا.
الحجة السادسة : قوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) [النحل : ١٠١] والتبديل يشتمل على رفع إثبات ، والمرفوع : إما التلاوة ، وإما الحكم فكيف كان فهو رفع ونسخ.
واحتجّ أبو مسلم بأن الله ـ تعالى ـ وصف كتابه بأنه (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] فلو نسخ لكان قد أتاه الباطل.
والجواب : أن المراد أن هذا الكتاب لم يتقدمه من كتب الله ما يبطله ، ولا يأتيه من بعده أيضا ما يبطله.
فصل في أنواع النسخ (١)
تارة ينسخ الحكم ، وتارة التلاوة ، وتارة هما معا ، فأما نسخ الحكم دون التلاوة فكهذه الآيات.
__________________
(١) وهو ثلاثة أنواع : «النّوع الأوّل» نسخ الحكم والتلاوة معا ؛ وذلك مثل ما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ ؛ أنها قالت : «كان فيما أنزل عشر رضعات محرّمات فنسخن بخمس» وروي أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة. وقال الحسن ـ رحمهالله ـ : «إن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أوتي قرآنا ثم نسيه ، فلم يبق منه شيء لما رفع الله عن قلبه ذلك» ومثل له أيضا بما روي عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ ؛ أنه قال : «كنّا نقرأ على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سورة تعدل سورة التوبة ، ما أحفظ منها غير آية واحدة ، وهي : لو أن لابن آدم واديين من ذهب ، لابتغى إليه ثالثا ، ولو أن له ثالثا لابتغى إليه رابعا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب» ونسخ هذا النوع كان بطريق الصرف والنسيان.
أي : يصرفها عن القلوب ، أو يصرف القلوب عنها ، وكان هذا النوع حاصلا في حياة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يدلّنا ـ