وهذا فيه نظر ؛ لما مرّ أن المراد به التقرير ، فهو كقوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦] (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١].
والاستفهام بمعنى التقرير كثير جدّا لا سيما إذا دخل على نفي كما مثلته لك.
وفي قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ) التفاتان.
أحدهما : خروج من خطاب جماعة ، وهو (خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
والثاني : خروج من ضمير المتكلّم المعظم نفسه إلى الغيبة بالاسم الظاهر ، فلم يقل : ألم تعلموا أننا ، وذلك لما لا يخفى من التعظيم والتّفخيم. و (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) «أن» وما في حيّزها ، إما سادة مسدّ مفعولين كما هو مذهب الجمهور ، أو واحد ، والثاني محذوف كما هو مذهب الأخفش.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(١٠٧)
قال ابن الخطيب : لما حكم بجواز النسخ عقّبه ببيان أن ملك السموات والأرض له لا لغيره ، وهذا هو التنبيه على أنه ـ سبحانه وتعالى ـ إنما حسن [منه الأمر والنهي لكونه مالكا للخلق ، وهذا هو مذهب أصحابنا ، وأنه](١) إنما حسن التكليف منه لمحض كونه مالكا للخلق مستوليا عليهم لا لثواب يحصل ، أو لعقاب يندفع.
قال القفال رحمهالله تعالى : ويحتمل أن يكون هذا إشارة إلى أمر القبلة ، فإنه ـ تعالى ـ أخبرهم بأنه مالك السموات والأرض ، وأن الأمكنة والجهات كلها له ، وأنه ليس بعض الجهات أكبر حرمة من البعض ، إلّا من حيث يجعلها هو تعالى له ، وإذا كان كذلك وكان الأمر باستدلال القبلة إنما هو محض التخصيص بالتشريف ، فلا مانع يمنع من تغييره من جهة إلى جهة.
قوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ) جزم ب «لم» ، وحروف الاستفهام لا تغير عمل العامل ، وقوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ) خطاب للنبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والمراد أمته ، لقوله : (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).
وفي قوله : (مُلْكُ) وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ ، وخبره مقدم عليه ، والجملة في محلّ رفع خبر ل «أن».
والثاني : أنه مرفوع بالفاعلية ، رفعه الجار قبله عند الأخفش ، لا يقال : إن الجار هنا قد اعتمد لوقوعه خبرا ل «أن» ، فيرفع الفاعل عند الجميع ؛ لأن الفائدة لم تتم به ، فلا يجعل خبرا.
__________________
(١) سقط في أ.