أنواط ، وهي شجرة كانوا يعبدونها ، ويعلقون عليها المأكول والمشروب ، كما سألوا موسى أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة.
القول الثاني : أنه خطاب لأهل «مكة» ، وهو قول ابن عباس ومجاهد رضي الله تعالى عنهم ؛ لأنه يروى أنّ عبد الله بن أمية المخزومي أتى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في رهط من قريش فقال : يا محمد والله ما أومن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء بأن تصعد ، ولن نؤمن لرقيّك بعد ذلك حتى تنزل علينا كتابا [من عند الله إلى عبد الله بن أمية أن محمدا رسول الله فاتبعوه. وقال له بقية الرّهط : فإن لم تستطع ذلك فائتنا بكتاب من](١) عند الله جملة واحدة فيه الحلال والحرام والحدود والفرائض ، كما جاء موسى إلى قومه بالألواح من عند الله فيها كلّ ذلك ، فنؤمن لك عند ذلك.
فأنزل الله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) محمدا أن يأتيكم بالآيات من عند الله كما سأل السبعون فقالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٢) [البقرة : ٥٥]. وعن مجاهد رحمهالله تعالى أنّ قريشا سألت محمدا عليه الصلاة والسلام أن يجعل لهم الصّفا ذهبا وفضّة ، فقال : نعم هو لكم كالمائدة لبني إسرائيل فأبوا ورجعوا.
القول الثالث : المراد بهم اليهود ، [وهذا القول أصح ، لأن هذه السورة من أول قوله](٣) : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) [البقرة : ٤٧] حكاية ومحاجّة معهم ؛ ولأن الآية مدنية ، ولأنه جرى ذكر اليهود وما جرى ذكر غيرهم.
فصل في سؤالهم
[قال ابن الخطيب رحمهالله تعالى : ليس في الآية أنهم أتوا بالسؤال فضلا عن كيفيته ، وإنما المرجع فيه إلى الروايات المذكورة.
فإن قيل : إن كان ذلك السؤال طلبا للمعجزة فليس بكفر ؛ لأن طلب الدليل على الشيء لا يكون كفرا ، وإن كان طلبا لوجه الحكمة في نسخ الأحكام ، فهذا أيضا لا يكون كفرا ؛ لأن الملائكة ـ عليهمالسلام ـ طلبوا الحكمة في خلق البشر ، ولم يكن ذلك كفرا. والجواب أن يحمل على أنهم طلبوا أن يجعل لهم إله كما لهم آلهة ، أو طلبوا المعجزة على سبيل التعنّت ، أو اللّحاج ، فهذا كفر ، والسبب هذا السؤال ، والله أعلم (٤)].
قوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : فأنزل الله هذه الآية.
(٣) في أ : لأن معنى قوله تعالى.
(٤) سقط في ب.