كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٠٩)
سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان ، وعمار بن ياسر بعد وقعة «أحد» : ألم تروا ما أصابكم ، ولو كنتم على الحق ما هزمتم ، فارجعوا إلى ديننا ، فهو خير لكم وأفضل ، ونحن أهدى منكم سبيلا.
فقال عمار : كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا : شديد ، قال : فإني قد عاهدت أني لا أكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم وشرف وكرم وبجل وعظم ما عشت.
فقالت اليهود : أما هذا فقد صبأ ، وقال حذيفة : وأما أنا فقد رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبالقرآن إماما ، وبالكعبة قبلة ، وبالمؤمنين إخوانا ، ثم أتيا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأخبراه فقال : أصبتما خيرا وأفلحتما فنزلت هذه الآية (١).
قوله تعالى : (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) الكلام في «لو» كالكلام فيها عند قوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ) [البقرة : ٩٦] ، فمن جعلها مصدرية هناك جعلها كذلك هنا ، وقال : هي مفعول «يود» أي : ودّ كثير ردّكم.
ومن أبي جعل جوابها محذوفا تقديره : لو يردونكم كفارا لسرّوا أو فرحوا بذلك.
وقال بعضهم : تقديره : لو يردونكم كفارا لودّوا ذلك ، ف «ودّ» دالّة على الجواب ، وليست بجواب ؛ لأن «لو» لا يتقدمها جوابها كالشرط.
وهذا التقدير الذي قدره هذا القائل فاسد ، وذلك أن «لو» حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، فيلزم من تقديره ذلك أن ودادتهم ذلك لم تقع ؛ لأن الموجب لفظا منفي معنى ، والغرض من ودادتهم ذلك واقعة باتفاق ، فتقدير لسروا ونحوه هو الصحيح.
و «يرد» هنا فيه قولان.
أحدهما ـ وهو الواضح ـ أنها المتعدّية لمفعولين بمعنى «صيّر» ، فضمير المخاطبين مفعول أول ، و «كفارا» مفعول ثان ؛ ومن مجيء «ردّ» بمعنى «صيّر» قوله : [الوافر]
٧٣٣ ـ رمى الحدثان نسوة آل حرب |
|
بمقدار سمدن له سمودا |
فردّ شعورهنّ السّود بيضا |
|
وردّ وجوههنّ البيض سودا (٢) |
__________________
(١) انظر تفسير الفخر الرازي : (٣ / ٢١٣).
(٢) البيتان لعبد الله بن الزبير. ينظر ملحق ديوانه : ص ١٤٣ ـ ١٤٤ ، ونسبا أيضا للكميت بن معروف ينظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ص ٩٤١ ، المقاصد النحوية : ٢ / ٤١٧ ، عيون الأخبار : ٣ / ٧٦ ، معجم الشعراء : ص ٣٠٩ ، ذيل الأمالي : ص ١١٥ ، شرح الأشموني : ١ / ١٥٩ ، شرح ابن عقيل : ص ٢١٧ ، لسان العرب (سمد) ، أمالي القالي : ٣ / ١٢٨ ، الأضداد : (٣٦) ، مجالس ثعلب : ٢ / ٤٣٩ ، الدر المصون : ١ / ٣٤١.