وجدّ أسباب المحبة إليه ، فهذا هو الداخل تحت التكليف.
والحمد نوعان : مذموم ومحمود ، فالمذموم أن يتمنّى زوال نعمة الله عن المسلم ، سواء تمنيت مع ذلك أتعود إليك أم لا ؛ لأنه فيه تسفيه الحق ـ سبحانه وتعالى ـ وأنه أنعم على من لا يستحقّ.
والمحمود كقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا حسد إلّا في اثنتين : رجل آتاه الله تعالى القرآن فهو يقوم به آناء اللّيل وآناء النّهار ، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق آناء اللّيل وآناء النّهار» (١) .. وهذا الحديث معناه «الغبطة» كذا ترجم عليه البخاري رحمهالله تعالى.
والصّفح قريب من العفو ، مأخوذ من الإعراض بصفحة العنق.
وقيل : معناه التجاوز ، من تصفّحت الكتاب أي : جاوزت ورقه ، والصّفوح من أسماء الله ، والصّفوح أيضا : المرأة تستر وجهها إعراضا ؛ قال الشاعر : [الطويل]
٧٣٤ ـ صفوح فما تلقاك إلّا بحيلة |
|
فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت (٢) |
قال القرطبي رحمهالله تعالى : العفو : ترك المؤاخذة بالذّنب.
والصّفح : إزالة أثره من النفس. يقال : صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه ، وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وتركته ، ومنه قوله تعالى : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) [الزخرف : ٥].
فصل في المراد بهذه الآية
[المراد بهذه الآية أنهم كانوا يريدون رجوع المؤمنين عن الإيمان من بعد ما تبيّن لهم أن الإيمان صواب وحقّ ، والعالم بأن غيره على حقّ لا يجوز أن يريد ردّه عنه إلّا
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح (٩ / ٧٣) كتاب فضائل القرآن (٦٦) باب اغتباط صاحب القرآن (٢٠) حديث رقم (٥٠٢٥).
وفي (١٣ / ٥٠٢) كتاب التوحيد (٩٧) باب قول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رجل آتاه الله القرآن .. (٤٥) حديث رقم (٧٥٢٩).
ومسلم في الصحيح (١ / ٥٥٨) كتاب صلاة المسافرين (٦) باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه (٤٧) حديث رقم (٢٦٦ / ٨١٥) والترمذي في السنن حديث رقم (١٩٣٦).
وابن ماجه في السنن (٢ / ١٤٠٧) كتاب الزهد باب الحسد حديث رقم (٤٢٠٨ ، ٤٢٠٩) ـ وأحمد في المسند (١ / ٣٨٥ ، ٣٥٣ ، ٤٢٣).
وابن أبي شيبة (١٠ / ٥٥٧ ، ٥٥٨) ـ وعبد الرزاق في مصنفه حديث (٥٩٧٤) والخطيب في التاريخ (٧ / ٨٥) ـ والبيهقي في السنن (٤ / ١٨٨) ، (١٠ / ٨٨) ـ وأبو نعيم في الحلية (٧ / ٣٦٣) ، (٨ / ٤٦) ـ وذكره المنذري في الترغيب ١ / ٩٨ ، ٤٣٨.
والهندي في كنز العمال حديث رقم (١٦٠٥٠) ، (٢٣٣٩) ، (٢٣٤٠) ، (٢٨٩٣٩).
(٢) البيت لكثير. ينظر ديوانه : ١ / ٤٣ ، البحر المحيط : ١ / ٥٠٦ ، الدر المصون : ١ / ٣٤٢.