والثاني : أنه متعلّق بمحذوف على أنه حال من المفعول أي : تجدوا ثوابه مدّخرا معدّا عند الله تعالى ، والظّرفية هنا مجاز نحو : «لك عند فلان يد».
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي : لا يخفى عليه القليل ولا الكثير من الأعمال فهو ترغيب وتحذير.
قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(١١٢)
اعلم أن هذا نوع آخر من تخليط اليهود ، وإلقاء الشبه في قلوب المسلمين.
قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً).
«من» فاعل بقوله : (يَدْخُلَ) وهو استثناء مفرغ ، فإن ما قبل «إلّا» مفتقر لما بعدها ، والتقدير : لن يدخل الجنّة أحد ، وعلى مذهب الفرّاء يجوز في «من» وجهان آخران ، وهما النّصب على الاستثناء والرفع على البدل من «أحد» المحذوف ، فإن الفراء رحمهالله تعالى يراعي المحذوف ، وهو لو صرّح به لجاز في المستثنى الوجهان المذكوران ، فكذلك جاز مع التقدير عنده ، وقد تقدّم تحقيق المذهبين.
والجملة من قوله تعالى : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ) في محلّ نصب بالقول ، وحمل أولا على لفظ «من» فأفرد الضمير في قوله : (كانَ) ، وعلى معناها ثانيا فجمع في خبرها وهو «هودا» ، وفي مثل هاتين الجملتين خلاف ، أعني أن يكون الخبر غير فعل ، بل وصفا يفصل بين مذكره ومؤنثه تاء التأنيث.
فمذهب جمهور البصريين والكوفيين جوازه ، ومذهب غيرهم منعه ، منهم أبو العبّاس ، وهم محجوجون بسماعه من العرب كهذه الآية ، فإن هودا جمع «هائد» على أظهر القولين ، نحو : بازل وبزل ، وعائد وعود ، وحائل وحول ، وبائر وبور.
و «هائد» من الأوصاف ، الفارق بين مذكّرها ومؤنثها «تاء» التأنيث ؛ قال الشاعر : [المتقارب]
٧٣٨ ـ وأيقظ من كان منكم نياما (١)
و «نيام» جمع نائم ، وهو كالأول.
وفي «هود» ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه جمع هائد كما تقدم.
__________________
(١) لم نهتد إلى قائله وتتمته ، وينظر معاني القرآن : ١ / ٧٣ ، والبحر : ١ / ٥٢٠ ، والدر المصون : ١ / ٣٤٣.