قوله تعالى : (فَلَهُ أَجْرُهُ) الفاء جواب الشرط إن قيل بأن «من» شرطية ، أو زائدة في الخبر إن قيل بأنها موصولة ، وقد تقدم تحقيق القولين عند قوله سبحانه وتعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) [البقرة : ٨١] وهذه نظير تلك فليلتفت إليها.
وهنا وجه آخر زائد ذكره الزمخشري ، وهو أن تكون «من» فعله بفعل محذوف أي : بلى يدخلها من أسلم ، و «فله أجره» كلام معطوف على يدخلها ـ هذا نصه.
و «له أجره» مبتدأ وخبره ، إما في محلّ جزم ، أو رفع على حسب ما تقدّم من الخلاف في «من». وحمل على لفظ «من» فأفرد الضمير في قوله تعالى : (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) وعلى معناها ، فجمع في قوله : (عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، وهذا أحسن التركيبين ، أعني البداءة بالحمل على اللفظ ثم الحمل على المعنى والحامل في «عند» ما تعلق به «له» من الاستقرار ، ولما أحال أجره عليه أضاف الظرف إلى لفظة «الرّب» لما فيها من الإشعار بالإصلاح والتدبير ، ولم يضفه إلى الضمير ، ولا إلى الجلالة ، فيقول : فله أجره عنده أو عند الله ، لما ذكرت لك ، وقد تقدم الكلام في قوله تعالى : (فَلا خَوْفٌ) [البقرة : ٣٨] بما فيه من القراءات.
قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(١١٣)
اليهود ملّة معروفة ، والياء فيه أصلية لثبوتها في التّصريف ، وليست من مادّة «هود» من قوله تعالى : (هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] وقد تقدم أن الفراء رحمهالله تعالى يدعي أن «هودا» أصله : يهود ، فحذفت ياؤه ، وتقدم أيضا عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هادُوا) [البقرة : ٦٢] أن اليهود نسبة ل «يهوذا بن يعقوب».
وقال الشّلوبين : يهود فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون جمع يهوديّ ، فتكون نكرة مصروفة.
والثاني : أن تكون علما لهذه القبيلة ، فتكون ممنوعة من الصرف. انتهى ، وعلى الأول دخلت الألف واللام ، وعلى الثاني قوله : [الطويل]
٧٤٢ ـ أولئك أولى من يهود بمدحة |
|
إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب (١) |
وقال آخر : [الكامل]
__________________
(١) البيت لرجل من الأنصار. ينظر ما ينصرف وما لا ينصرف : ص ٦٠ ، والكتاب : ٣ / ٢٥٤ ، ولسان العرب (هود) ، والدر المصون : ١ / ٣٤٦.