٧٤٣ ـ فرّت يهود وأسلمت جيرانها |
|
..........(١) |
ولو قيل بأن «يهود» منقول من الفعل المضارع نحو : يزيد ويشكر لكان قولا حسنا. ويؤيده قولهم : سمّوا يهودا لاشتقاقهم من هاد يهود إذا تحرك.
قوله تعالى : (لَيْسَتِ النَّصارى) «ليس» فعل ناقص أبدا من أخوات «كان» ولا يتصرف ، ووزنه على «فعل» بكسر العين ، وكان من حق فائه أن تكسر إذا أسند إلى تاء المتكلم ونحوها على الياء مثل : شئت ، إلا أنه لما لم ينصرف بقيت «الفاء» على حالها.
وقال بعضهم : «ليست» بضم الفاء ، ووزنه على هذه اللغة : فعل بضم العين ، ومجيء فعل بضمّ العين فيما عينه ياء نادر ، لم يجىء منه إلّا «هيؤ الرجل» ، إذا حسنت هيئته.
وكون «ليس» فعلا هو الصحيح خلافا للفارسي في أحد قوليه ، ومن تابعه في جعلها حرفا ك «ما» كما قيل ويدلّ على فعليتها اتصال ضمائر الرّفع البارزة بها ، ولها أحكام كثيرة ، و «النّصارى» اسمها ، و «على شيء» خبرها ، وهذا يحتمل أن يكون مما حذفت فيه الصفة ، أي على شيء معتدّ به كقوله سبحانه وتعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود : ٤٦] أي : أهلك الناجين ، وقوله : [الطويل]
٧٤٤ ـ .......... |
|
... لقد وقعت على لحم(٢) |
أي : لحم عظيم ، وأن يكون نفيا على سبيل المبالغة ، فإذا نفى إطلاق الشيء على ما هم عليه ، مع أن الشيء يطلق على المعدوم عند بعضهم كان ذلك مبالغة في عدم الاعتداد به ، وصار كقوله : «أقل من لا شيء».
فصل في سبب نزول هذه الآية
روي أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتاهم أحبار اليهود ، فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم ، فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين ، وكفروا بعيسى عليهالسلام والإنجيل.
وقالت النصارى لهم نحوه ، وكفروا بموسى عليهالسلام والتوراة ، فأنزل الله هذه الآية (٣).
__________________
(١) صدر بيت للأسود بن يعفر وعجزه :
صمي لما فعلت يهود صمام
ينظر اللسان (صمم) ، والدر المصون : ١ / ٣٤٦.
(٢) تقدم برقم ١٣٧.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٤١٣ ـ ٥١٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٠٣) وزاد نسبته لابن إسحاق وابن أبي حاتم والأثر ذكره ابن هشام في «السيرة النبوية» (٢ / ١٩٧ ـ ١٩٨).