قوله : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قال الحسن : يكذبهم جميعا ، ويدخلهم النار.
وثانيها : ينصف المظلوم المكذّب من الظالم المكذّب.
وثالثها : يريهم من يدخل الجنة عيانا ، ومن يدخل النار عيانا ، وهو قول «الزجاج».
قوله : (بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) منصوبان ب «يحكم» ، و «فيه» متعلق ب «يختلفون».
قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١١٤)
«من» استفهام في محلّ رفع بالابتداء ، و «أظلم» أفعل تفضيل خبره ، ومعنى الاستفهام هنا النفي ، أي : لا أحد أظلم منه ، ولما كان المعنى على ذلك أورد بعض الناس سؤالا ، وهو أن هذه الصيغة قد تكررت في القرآن (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) [الأنعام : ٢١] (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) [السجدة : ٢٢] (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) [الزمر : ٣٧] كل واحدة منها تقتضي أن المذكور لا يكون أحد أظلم منه ، فكيف يوصف غيره بذلك؟ والجواب من وجوه :
أحدها : وهو أن يخصّ كل واحد بمعنى صلته كأنه قال : لا أحد من المانعين أظلم ممن منع مساجد الله ، ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله ، ولا أحد من الكذّابين أظلم ممن كذب على الله ، وكذلك ما جاء منه.
الثاني : أن التّخصيص يكون بالنّسبة إلى السّبق ، لما لم يسبق أحد إلى مثله حكم عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سالكا طريقهم في ذلك ، وهذا يؤول معناه إلى السبق في المانعية والافترائية ونحوها.
الثالث : أن هذا نفي للأظلمية ، ولما كان نفي الأظلمية لا يستدعي نفي الظّالمية لم يكن مناقضا ؛ لأن فيها إثبات التسوية في الأظلميّة ، وإذا ثبتت التسوية في الأظلمية لم يكن أحد مما وصف بذلك يزيد على الآخر ؛ لأنهم متساوون في ذلك ، وصار المعنى : ولا أحد أظلم ممن منع ، وممن افترى وممن ذكر ، ولا إشكال في تساوي هؤلاء في الأظلمية ، ولا يدلّ ذلك على أن أحد هؤلاء يزيد على الآخر في الظلم ، كما أنك إذ قلت : «لا أحد أفقه من زيد وبكر وخالد» لا يدلّ على أن أحدهم أفقه من الآخر ، بل نفيت أن يكون أحد أفقه منهم ، لا يقال : إن من منع مساجد الله ، وسعى في خرابها ، ولم يفتر على الله كذبا أقلّ ظلما ممن جمع بين هذه الأشياء ، فلا يكونون متساوين في الأظلمية إذ هذه الآيات كلها في الكفّار ، وهم متساوون في الأظلمية إذ كانت طرق الأظلمية مختلفة.