تفريق أهل المسجد الأول وخرابه ، واختلاف الكلمة ، فإن المسجد الثّاني ينقض ، ويمنع من بنيانه ، وسيأتي بقية الكلام [في سورة «براءة» إن شاء الله تعالى](١).
قوله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها).
«أولئك» مبتدأ ، «لهم» خبر «كان» مقدّم على اسمها ، واسمها «أن يدخلوها» لأنه في تأويل المصدر ، أي : ما كان لهم الدخول ، والجملة المنفية محلّ رفع خبر عن «أولئك».
قوله : (إِلَّا خائِفِينَ) حال من فاعل «يدخلوها» وهذا استثناء مفرّغ من الأحوال ؛ لأن التقدير : ما كان لهم الدخول في جميع الأحوال ، إلّا في حالة الخوف.
وقرأ أبي (٢) «خيفا» وهو جمع خائف ، ك «ضارب» و «ضرّب» ، والأصل : خوّف ك «صوّم» ، إلا أنه أبدل الواوين ياءين وهو جائز ، قالوا : صوم وصيم ، وحمل أولا على لفظ «من» ، فأفرد في قوله : «منع ، وسعى» وعلى معناه ثانيا ، فجمع في قوله : (أُولئِكَ) وما بعده.
فصل في ظاهر الآية
ظاهر الآية يقتضي أنّ الذين منعوا وسعوا في تخريب المسجد هم الذين يحرم عليهم دخوله إلّا خائفين.
وأما من جعله عامّا في الكل ، فذكروا في تفسير هذا الخوف وجوها :
أحدها : ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلّا خائفين على حال الهيبة ؛ وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يستولوا عليها ، ويمنعوا المؤمنين منها ، والمعنى فما كان الحقّ والواجب إلا ذلك الولاء ظلم الكفرة وعتوّهم.
وثانيها : أن هذا بشارة من الله للمسلمين بأنه سيظهرهم على المسجد الحرام ، وعلى سائر المساجد ، وأنه يذلّ المشركين لهم حتّى لا يدخل المسجد الحرام واحد منهم إلّا خائفا يخاف أن يؤخذ فيعاقب ، أو يقتل إن لم يسلم ، وقد أنجز الله ـ تعالى ـ صدق هذا الوعد ، فمنعهم من دخول المسجد الحرام ، ونادى فيهم عام حجّ أبو بكر رضي الله عنه : «ألا لا يحجن بعد العام مشرك» ، وأمر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بإخراج اليهود من جزيرة العرب ، فحجّ من العام الثاني ظاهرا على المساجد لا يجترىء أحد من المشركين أن يحج ويدخل المسجد الحرام ، وهذا هو تفسير أبي مسلم.
ثالثها : أن يحمل هذا الخوف على ما يلحقهم من الصّغار والذل بالجزية والإذلال.
ورابعها : أنه يحرم عليهم دخول المسجد الحرام ، إلّا في أمر يتضمن الخوف نحو أن
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) انظر البحر المحيط : ١ / ٥٢٨ ، والدر المصون : ١ / ٣٤٩.