يدخلوا للمخاصمة والمحاكمة والمحاجّة ؛ لأن كلّ ذلك يتضمّن الخوف ، والدليل عليه قوله تعالى : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر [التوبة : ١٧].
وخامسها : قال قتادة والسّدي : بمعنى أن النصارى لا يدخلون «بيت المقدس» إلا خائفين ، ولا يوجد فيه نصراني إلا أوجع ضربا ، وهذا مردود ؛ لأن «بيت المقدس» بقي أكثر من مائة سنة في أيدي النّصارى بحيث لم يتمكّن أحد من المسلمين من الدّخول فيه إلا خائفا ، إلى أن استخلصه الملك صلاح الدين ـ رحمهالله ـ في زماننا.
وسادسها : أنه وإن كان لفظه لفظ الخبر ، لكن المراد منه النهي عن تمكينهم من الدخول ، والتخلية بينهم وبينه كقوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٥٣].
[وسابعها : أنه خبر بمعنى الإنشاء أي أنهضوهم بالجهاد حتى لا يدخلها أحد منهم إلّا خائفا من القتل والسّبي](١).
قوله : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) هذه الجملة وما بعدها لا محلّ لها لاستئنافها عما قبلها ، ولا يجوز أن تكون حالا ، لأن خزيهم ثابت على كلّ حال لا يتقيّد بحال دخول المساجد خاصّة.
اختلفوا في الخزي ، فقال بعضهم : ما يلحقهم من الذّل بمنعهم من المساجد ، وقال قتادة القتل للخزي ، والجزية للذمي.
وقال السدي : الخزي لهم في الدنيا قيام المهدي ، وفتح «عموريّة» و «روميّة» و «قسطنطينيّة» ، وغير ذلك من مدنهم ، والعذاب العظيم [فقد وصفه الله ـ تعالى ـ بما](٢) يجري مجري النهاية في المبالغة ؛ لأن الذين قدم ذكرهم وصفهم بأعظم الظلم ، فبيّن أنهم يستحقون العقاب العظيم.
فصل في دخول الكافر المسجد
اختلفوا في دخول الكافر المسجد ، فجوزه أبو حنيفة مطلقا ، وأباه مالك مطلقا.
وقال الشافعي رضي الله عنه : يمنع من دخول الحرم ، والمسجد الحرام ، واحتج بوجوه منها قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨] ، قال : قد يكون المراد من المسجد الحرام الحرم لقوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء : ١] وإنما أسرى به من بيت خديجة فالآية دالة ، إما على المسجد فقط ، أو على الحرم كله ، وعلى التقديرين ، فالمقصود حاصل ؛ لأن الخلاف حاصل فيهما جميعا.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.