[قوله تعالى : (واسِعٌ عَلِيمٌ) أي : يوسع على عباده في دينهم ، ولا يكلفهم ما ليس في وسعهم.
وقيل : واسع المغفرة.
فصل في سبب نزول الآية
في سبب نزول الآية قولان :
أحدهما : أنه أمر يتعلّق بالصلاة. والثاني : في أمر لا يتعلق بالصلاة.
فأما القول الأول فاختلفوا فيه على وجوه :
أحدها : أنه ـ تعالى ـ أراد به تحويل المؤمنين عن استقبال «بيت المقدس» إلى الكعبة ، فبيّن تعالى أن المشرق والمغرب ، وجميع الجهات كلّها مملوكة له سبحانه وتعالى ، فأينما أمركم الله ـ عزوجل ـ باستقباله فهو القبلة ؛ لأن القبلة ليست قبلة لذاتها ؛ بل لأن الله ـ تعالى ـ جعلها قبلة ، فهو يدبر عباده كيف يريد](١) وكيف يشاء فكأنه تعالى ذكر ذلك بيانا لجواز نسخ القبلة من جانب إلى جانب آخر.
وثانيها : قال ابن عباس رضي الله عنهما ـ لما تحولت القبلة عن «بيت المقدس» أنكرت اليهود ذلك ، فنزلت الآية ونظيره قوله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [البقرة : ١٤٢].
وثالثها : قال أبو مسلم : إن اليهود والنّصارى كل واحد منهم قال : إنّ الجنة له لا لغيره ، فردّ الله عليهم بهذه الآية ؛ لأن اليهود إنما استقبلوا «بيت المقدس» ؛ لأنهم اعتقدوا أن الله ـ تعالى ـ صعد السماء من الصّخرة والنصارى استقبلوا المشرق ؛ لأن مريم انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ، فولدت عيسى ـ عليهما الصلاة والسلام ـ هناك ، فردّ الله عليهم أقوالهم.
ورابعها : قال قتادة وابن زيد : إن الله ـ تعالى ـ نسخ «بيت المقدس» بالتخيير إلى أي جهة شاء بهذه الآية ، فكان للمسلمين أن يتوجّهوا إلى حيث شاءوا في الصلاة ، إلّا أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يختار التوجّه إلى «بيت المقدس» ، مع أنه كان له أن يتوجّه حيث شاء ، ثم إنه ـ تعالى ـ نسخ ذلك بتعيين الكعبة.
وخامسها : أن المراد بالآية من هو مشاهد للكعبة ، فإنّ له أن يستقبلها من أي جهة شاء وأراد.
[وسادسها : ما روى عبد الله بن عامر بن ربيعة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ليلة سوداء مظلمة فلم نعرف القبلة ، فجعل كل واحد منا مسجده حجارة موضوعة بين يده ، ثم صلينا فلما أصبحنا ، فإذا نحن على غير القبلة ، فذكرنا ذلك
__________________
(١) سقط في ب.