لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية (١) ، وهذا الحديث يدلّ على أنهم نقلوا حينئذ إلى الكعبة ؛ لأن القتال فرض بعد الهجرة بعد نسخ «بيت المقدس»](٢).
وسابعها : أن الآية نزلت في المسافر يصلي النوافل حيث تتوجّه به راحلته.
وعن سعيد بن جبر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : «إنما نزلت هذه الآية في الرّجل يصلي إلى حيث توجّهت به راحلته في السفر» (٣).
قال ابن الخطيب (٤) : فإن قيل : فأي هذه الأقاويل أقرب إلى الصّواب؟
قلنا : إن قوله تبارك وتعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) مشعر بالتخيير ، والتخيير لا يثبت إلا في صورتين :
إحداهما : في التّطوع على الراحلة.
وثانيتهما : في السفر عند تعذّر الاجتهاد لظلمة أو لغيرها ؛ لأن في هذين الوجهين المصلّي مخير.
فأما على غير هذين الوجهين فلا تخيير ، والذين حملوا الآية على الوجه الأول ، فلهم أن يقولوا : إن القبلة لمّا حولت تكلم اليهود في صلاة الرسول صلىاللهعليهوسلم وصلاة المؤمنين إلى بيت المقدس ، فبين تعالى بهذه الآية أن تلك القبلة كان التوجه إليها صوابا في ذلك الوقت ، والتوجه إلى الكعبة صواب في هذا الوقت ، وبين أنهم أينما يولوا من هاتين القبلتين في المأذون فيه ، فثمّ وجه الله ، قالوا : وحمل الكلام على هذا الوجه أولى ؛ لأنه يعم كل مصلّ ، وإذا حمل على الأول لا يعم ؛ لأنه يصير محمولا على التّطوع دون الفرد ، وعلى السفر في حالة مخصوصة دون الحضر ، وإذا أمكن إجراء اللفظ العام على عمومه ، فهو أولى من التخصيص ، وأقصى ما في الباب أن يقال : إنّ على هذا التأويل لا بد أيضا من ضرب تقييد وهو أن يقال : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) من الجهات المأمور بها (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) إلّا أن هذا الإضمار لا بد منه على كلّ حال ؛ لأنه من المحال أن يقول تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) بحسب ميل أنفسكم (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ، بل لا بد من الإضمار الذي ذكرناه ، وإذا كان كذلك ، فقد زالت طريقة التخيير.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٢ / ١٧٦) رقم (٣٤٥) وابن ماجه (١ / ٣٢٦) رقم (١٠٢٠) والطيالسي (١١٤٥) والبيهقي (٢ / ١١) والطبري في «تفسيره» (١٨٤١ ، ١٨٤٣) والدارقطني ص (١٠١) وأبو نعيم في «الحلية» (١ / ١٧٩ ـ ١٨٠).
وقال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بذاك لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان.
وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث.
(٢) سقط في ب.
(٣) أخرجه مسلم (١ / ١٩٥) وأحمد (٧٤١٤ ـ شاكر) والطبري (٢ / ٥٣٠) والبيهقي في السنن ٢ / ٤ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
(٤) ينظر الفخر الرازي : ٤ / ١٨ ـ ١٩.