الأول : أن كل ما سوى الموجود الواجب ممكن لذاته ، وكل ممكن لذاته محدث ، وكل محدث فهو مخلوق لواجب الوجود ، والمخلوق لا يكون ولدا [لأن المخلوق محدث مسبوق بالعدم ، ووجوده إنما حصل بخلق الله ـ تعالى ـ وإيجاده وإبداعه ، فثبت أن ما سواه فهو عبده ، وملكه ، فيستحيل أن يكون كل شيء مما سواه ولدا له ، كلّ هذا مستفاد من قوله : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : له كلّ ما سواه على سبيل الملك والخلق والإيجاد والإبداع](١).
والثاني : أن هذا الذي أضيف إليه بأنه ولده ، إما أن يكون قديما أزليّا أو محدثا ، فإن كان أزليّا لم يكن حكمنا بجعل أحدهما ولدا والآخر والدا أولى من العكس ، فيكون ذلك الحكم حكما مجرّدا من غير دليل ، وإن كان الولد حادثا كان مخلوقا لذلك القديم وعبدا له فلا يكون ولدا له.
والثالث : أن الولد لا بد وأن يكون من جنس الوالد ، فلو فرضنا له ولدا لكان مشاركا له من بعض الوجوه ، وممتازا عنه من وجه آخر ، وذلك يقتضي كون كلّ واحد منهما مركبا ومحدثا وذلك محال ، فإذن المجانسة ممتنعة ، فالولدية ممتنعة.
الرابع : أن الولد إنما يتخذ للحاجة إليه في الكبر ، ورجاء الانتفاع بمعونته حال عجز الأب عن أمور نفسه ، فعلى هذا إيجاد الولد إنما يصحّ على من يصح عليه الفقر والعجز والحاجة ، فإذا كان كل ذلك محال ، كان إيجاد الولد عليه سبحانه وتعالى محالا. [يحكى أن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال لبعض النصارى : لو لا تمرد عيسى عن عبادة الله عزوجل لصرت على دينه فقال النصراني : كيف يجوز أن ينسب ذلك إلى عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ مع جده في طاعة الله تعالى؟ فقال علي رضي الله عنه : فإن كان عيسى إلها فكيف يعبد غيره ، إنما العبد هو الذي تليق به العبادة ، فانقطع النصراني (٢)](٣).
قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ) المشهور رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو بديع.
وقرىء (٤) بالجر على أنه بدل من الضمير في «له» [وفيه الخلاف المشهور](٥) وقرىء بالنصب على المدح.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ذكره الرازي في تفسيره ٤ / ٢٣.
(٣) سقط في ب.
(٤) بالجر قرأ صالح بن أحمد ، وبالنصب المنصور.
انظر الشواذ : ١٧ ، والبحر المحيط : ١ / ٥٣٤ ، والدر المصون : ١ / ٣٥٢.
(٥) سقط في ب.