و (بَدِيعُ السَّماواتِ) من باب الصفة المشبهة أضيفت إلى منصوبها الذي كان فاعلا في الأصل ، والأصل بديع سماواته ، أي بدعت لمجيئها على شكل فائق حسن غريب ، ثم شبهت هذه الصفة باسم الفاعل ، فنصبت ما كان فاعلا ، ثم أضيفت إليه تخفيفا ، وهكذا كلّ ما جاء من نظائره ، فالإضافة لا بد وأن تكون من نصب ؛ لئلا يلزم إضافة الصفة إلى فاعلها ، وهو لا يجوز ، كما لا يجوز في اسم الفاعل الذي هو الأصل.
وقال الزمخشري (١) رحمهالله تعالى : و (بَدِيعُ السَّماواتِ) من باب إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها.
ورده أبو حيان بما تقدم ، ثم أجاب عنه بأنه يحتمل أن يريد إلى فاعلها في الأصل قبل أن يشبه.
وأجاز الزمخشري فيه وجها ثانيا : وهو أن يكون «بديع» بمعنى مبدع ؛ كما أن سميعا في قول عمرو بمعنى مسمع ؛ نحو : [الوافر]
٧٥٣ ـ أمن ريحانة الدّاعي السّميع |
|
يؤرّقني وأصحابي هجوع (٢)؟ |
إلا أنه قال : «وفيه نظر» ، وهذا الوجه لم يذكر ابن عطية غيره ، وكأن النظر الذي ذكره الزمخشري ـ والله أعلم ـ هو أن «فعيلا» بمعنى «مفعل» غير مقيس ، وبيت عمرو رضي الله عنه متأول ، وعلى هذا القول يكون بديع السموات من باب إضافة اسم الفاعل لمنصوبه تقديرا.
والمبدع : المخترع المنشىء ، والبديع : الشيء الغريب الفائق غيره حسنا.
قوله تعالى : (وَإِذا قَضى أَمْراً) العامل في «إذا» محذوف يدل عليه الجواب من قوله: (فَإِنَّما يَقُولُ) ، والتقدير : إذا قضى أمرا يكون ، فيكون هو الناصب له.
و «قضى» له معان كثيرة.
قال الأزهري رحمهالله تعالى : «قضى» على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشّيء وتمامه ؛ قال أبو ذؤيب : [الكامل]
٧٥٤ ـ وعليهما مسرودتان قضاهما |
|
داود أو صنع السّوابع تبّع (٣) |
__________________
(١) ينظر الكشاف : ١ / ١٨١.
(٢) البيت لعمرو بن معد يكرب. ينظر ديوانه : ص ١٤٠ ، والأصمعيات : ص ١٧٢ ، والأغاني : ١٠ / ٤ ، وخزانة الأدب : ٨ / ١٧٨ ، ١٧٩ ، ١٨١ ، ١٨٢ ، ١٨٧ ، ١١ / ١١٩ ، وسمط اللآلي : ص ٤٠ ، والشعر والشعراء : ١ / ٣٧٩ ، ولسان العرب (سمع) ، والدر المصون : ١ / ٣٥٢.
(٣) ينظر لسان العرب (تبع) ، (صنع) ، (قضى) ، وشرح المفصل : ٣ / ٥٩ ، وسر صناعة الإعراب : ٢ / ٧٦٠ ، وشرح أشعار الهذليين : ١ / ٣٩ ، والمعاني الكبير : ص ١٠٣٩ ، وشرح المفصل : ٣ / ٥٨ ، والدر المصون : ١ / ٣٥٣.