فقال : «أمرّ بمعنى مررت».
قال بعضهم : ويكون في هذه الآية ـ يعني في آية «آل عمران» ـ بمعنى «كان» فليجز عطفه على «قال».
وقرأ ابن عامر (١) : «فيكون» نصبا هنا ، وفي الأولى من «آل عمران» ، وهي (كُنْ فَيَكُونُ ،) تحرزا من قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) [آل عمران : ٥٩ ـ ٦٠].
وفي مريم : (كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) [مريم : ٣٥ ـ ٣٦].
وفي غافر : (كُنْ فَيَكُونُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ) [غافر : ٦٨ ـ ٦٩].
ووافقه الكسائي على ما في «النحل» و «يس».
وهي : (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢].
أما آيتا «النحل» و «يس» فظاهرتان : لأن ما قبل الفعل منصوبا يصح عطفه عليه ، وسيأتي.
وأما ما انفرد به ابن عامر في هذه المواضع الأربعة ، فقد اضطرب كلام النّاس فيها ، وهي لعمري تحتاج إلى فضل نظر وتأمل ، ولذلك تجرأ بعض الناس على هذا الإمام الكبير ، فقال ابن مجاهد : قرأ ابن عامر : «فيكون» نصبا ، وهذا غير جائز في العربية ؛ لأنه لا يكون الجواب هنا للأمر بالفاء إلّا في «يس» و «النحل» ، فإنه نسق لا جواب.
وقال في «آل عمران» : قرأ ابن عامر وحده : «كن فيكون» بالنصب وهو وهم. قال : وقال هشام : كان أيوب بن تميم يقرأ : «فيكون» نصبا ، ثم رجع فقرأ : «يكون» رفعا.
وقال الزجاج : «كن فيكون» رفع لا غير.
وأكثر ما أجابوا بأن هذا مما روعي فيه ظاهر اللّفظ من غير نظر للمعنى ، يريدون أنه قد وجد في اللفظ صورة أمر فنصبتا في جوابه بالفاء.
وأما إذا نظرنا إلى جانب المعنى ، فإن ذلك لا يصح لوجهين :
__________________
ـ بجعل التابع بدلا ، فإذا كان التعريف بلام الجنس ، جاز نعته بالنكرة ؛ لقربه من التنكير ، كما في البيت الذي معنا.
وشاهد آخر وضع «أمرّ» موضع «مررت» ؛ لأنه لم يرد ماضيا منقطعا ، وإنما أراد أن هذا أمره ودأبه ، فجعله كالفعل الدائم ، وإذا كان بمعنى الماضي ، فيجوز عطف الماضي عليه ، فيعطف «فمضيت» على أمر ؛ لأنه بمعنى «مررت» كما وضحنا.
وشاهد ثالث : وهو أن المرور يتعدّى ب «على» كما يتعدى ب «الباء».
ورابع : وهو أن ـ ثمّت ـ هي ثم العاطفة ، فإذا كانت مع التاء ، اختصّت بعطف الجمل.
(١) انظر السبعة : ١٦٩ ، وحجة القراءات : ١١١ ، والحجة : ٢ / ٢٠٣ ، والعنوان في القراءات السبع : ٧١ ، وشرح الطيبة : ٤ / ٥٨ ، وشرح شعلة : ٢٧٣ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٤١٣.