وقال ابن مالك : «إنّ» «أن» الناصبة قد تضمر بعد الحصر ب «إنما» اختيارا ، وحكاه عن بعض الكوفيين.
قال : وحكوا عن العرب : إنما هي ضربة من الأسد فتحطم ظهره بنصب «تحطم» ، فعلى هذا يكون النّصب في قراءة ابن عامر محمولا على ذلك إلّا أنّ هذا الذي نصبوه دليلا لا دليل فيه لاحتمال أن يكون من باب العطف على الاسم تقديره : إنما هي ضربة فحطم ؛ كقوله : [الوافر]
٧٦٢ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (١) |
فصل في تحرير كلمة كن
قال ابن الخطيب : اعلم أنه ليس المراد من قوله تعالى : (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) هو أنه ـ تعالى ـ يقول له : «كن» ، فحينئذ يتكون ذلك الشيء ، فإن ذلك فاسد ، والذي يدل عليه وجوه :
الأول : أن قوله تعالى : (كُنْ) إما أن يكون قديما أو محدثا ، والقسمان فاسدان ، فبطل القول بتوقّف حدوث الأشياء على «كن» إنما قلنا إنه لا يجوز أن يكون قديما لوجوه :
الأول : أن كلمة «كن» لفظة مركّبة من الكاف والنون بشرط تقدّم الكاف على النون فالنون لكونه مسبوقا بالكاف لا بد وأن يكون محدثا ، والكاف لكونه متقدما على المحدث بزمان واحد ، يجب أن يكون محدثا.
الثاني : أن كلمة «إذا» لا تدخل إلا على الاستقبال ، فذلك القضاء لا بد وأن يكون محدثا ؛ لأنه دخل عليه حرف إذا وقوله : «كن» مرتّب على القضاء ب «فاء» التعقيب ؛ لأنه قال : (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ) والمتأخر عن المحدث محدث ، فاستحال أن يكون «كن» قديما.
الثالث : أنه ـ تعالى ـ رتّب تكوين المخلوق على قوله : «كن» ب «فاء» التعقيب ، فيكون قوله : «كن» مقدما على تكوين المخلوق بزمان واحد ، والمتقدم على المحدث
__________________
(١) البيت لميسون بنت بحدل. ينظر خزانة الأدب : ٨ / ٥٠٣ ، ٥٠٤ ، وشرح التصريح : ٢ / ٢٤٤ ، ولسان العرب (مسن) ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٣٩٧ ، ومغني اللبيب : ١ / ٢٦٧ ، وشرح شواهد المغني : ٢ / ٦٥٣ ، والمحتسب : ١ / ٣٢٦ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ٢٧٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ١٤٧٧ ، وشرح شذور الذهب : ص ٤٠٥ ، وشرح شواهد الإيضاح : ص ٢٥٠ ، وشرح المفصل : ٧ / ٢٥ ، وشرح عمدة الحافظ : ص ٣٤٤ ، وشرح ابن عقيل : ص ٥٧٦ ، وشرح قطر الندى : ص ٦٥ ، وخزانة الأدب : ٨ / ٥٢٣ ، والرد على النحاة : ص ١٢٨ ، والأشباه والنظائر : ٤ / ٢٧٧ ، وأوضح المسالك : ٤ / ١٩٢ ، والجنى الداني : ص ١٥٧ ، ورصف المباني : ص ٤٢٣ ، والصاحبي في فقه اللغة : ص ١١٢ ، ١١٨ ، والدر المصون : ١ / ٣٥٥.