قال القرطبي رحمهالله تعالى : وتلخيص المعتقد في هذه الآية : أن الله ـ عزوجل ـ لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودها ، قادرا مع تأخّر المقدورات ، عالما مع تأخر المعلومات ، فكل ما في الآية يقتضي الاستقبال ، فهو بحسب المأمورات ؛ إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن. وكل ما يسند إلى الله ـ تعالى ـ من قدرة وعلم ، فهو قديم لم يزل والمعنى الذي تقتضيه عبارة «كن» ؛ هو قديم قائم بالذات.
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(١١٨)
«لو» و «لو لا» يكونان حرفي ابتداء ، وقد تقدم عند قوله : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) [البقرة : ٦٤] ويكونان حرفي تحضيض بمنزلة : «هلا» فيختصّان بالأفعال ظاهرة أو مضمرة ، كقوله : [الطويل]
٧٦٦ ـ تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم |
|
بني ضوطرى لولا الكميّ المقنّعا (١) |
أي : لو لا تعدّون الكميّ (٢) ، فإن ورد ما يوهم وقوع الاسم بعد حرف التحضيص يؤوّل ؛ كقوله : [الطويل]
٧٦٧ ـ ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة |
|
إليّ فهلّا نفس ليلى شفيعها (٣) |
__________________
(١) البيت لجرير. ينظر ديوانه : (٤١٠) ، الأزهية : (١٧٧) ، الخصائص : ٢ / ٤٥ ، شرح المفصل : ٢ / ٣٨ ، ابن الشجري : ١ / ٢٧٩ ، المغني : ١ / ٢١٤ ، رصف المباني : (٢٩٣) ، شواهد المغني : (٦٦٩) ، مجاز القرآن : ١ / ٥٢ ، تأويل المشكل : ٥٤٠ ، الهمع : ١ / ١٤٨ ، الأشموني : ٤ / ٥١ ، الدرر : ١ / ١٣٠ ، شرح الحماسة للمرزوقي : ٣ / ٢٢١ ، الصاحبي (٢٥٣) ، اللسان والتاج (ضطر) ، شرح شواهد المغني (٢٢٩) ، مجمع البيان : ١ / ١٩٥ ، الكامل : ١ / ١٦٣ ، المخصص : ٣ / ١٩٩ ، الأمالي الشجرية : (٢ / ٢٩٣) ، أسرار العربية (٢٠٥) ، الجنى الداني : (٦٠٦) ، الدر المصون : ١ / ٣٥٦.
(٢) قال في المغني : الثالث [أي : من الأوجه التي تكون عليها «لو لا»] : أن تكون للتوبيخ والتنديم ؛ فتختص بالماضي ؛ نحو لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ... إلى أن قال : وقوله :
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم |
|
بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنّعا |
إلا أن الفعل أضمر ، أي : لو لا عددتم [الكميّ] ، وقول النحويين «لو لا تعدون» مردود ؛ إذ لم يرد أن يحضّهم على أن يعدّوا في المستقبل ، بل المراد : توبيخهم على ترك عدّه في الماضي ، وإنما قال : «تعدّون» على حكاية الحال ، فإن كان مراد النحويين مثل ذلك ، فحسن.
(٣) البيت للمجنون ينظر ديوانه : ص ١٥٤ ، ولإبراهيم الصولي ينظر ديوانه : ص ١٨٥ ، ولابن الدمينة ينظر ملحق ديوانه : ص ٢٠٦ ، وللمجنون أو لابن المدمينة أو للصمة بن عبد الله القشيري في شرح شواهد المغني : ١ / ٢٢١ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ٤١٦ ، ولأحد هؤلاء أو لإبراهيم الصولي ينظر خزانة الأدب : ٣ / ٦٠ ، وللمجنون أو للصمة القشيري في الدرر : ٥ / ١٠٦ ، وللمجنون أو لغيره في المقاصد النحوية : ٤ / ٤٥٧ ، وبلا نسبة في الأغاني : ١١ / ٣١٤ ، وأوضح المسالك : ٣ / ١٢٩ ، وتخليص الشواهد : ص ٤٣٢٠ ، وجواهر الأدب : ص ٣٩٤ ، والجنى الداني : ص ٥٠٩ ، ٦١٣ ، وخزانة ـ