ف «نفس ليلى» مرفوع بفعل محذوف يفسره «شفيعها» أي : فهلا شفعت نفس ليلى. وقال أبو البقاء : إذا وقع بعدها المستقبل كانت للتخضيض ، وإن وقع بعدها الماضي كانت للتوبيخ وهذا شيء يقوله علماء البيان ، وهذه الجملة التحضيضية في محلّ نصب بالقول.
قوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ) قد تقدم الكلام على نظيره فليطلب هناك.
وقرأ أبو حيوة (١) ، وابن أبي إسحاق : «تشّابهت» بتشديد الشين.
قال الدّاني : «وذلك غير جائز ؛ لأنه فعل ماض» ، يعني : أن التاءين المزيدتين إنما تجيئان في المضارع فتدغم أما الماضي فلا.
فصل في قبائح اليهود والنصارى والمشركين
هذا نوع آخر من قبائح اليهود والنصارى والمشركين ، فإنهم قدحوا في التوحيد باتّخاذ الولد ، وقدحوا الآن في النبوّة.
قال ابن عباس : «هم اليهود».
وقال مجاهد : «هم النصارى» (٢) لأنهم المذكورون أولا ، ويدلّ على أن المراد أهل الكتاب قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) [النساء : ١٥٣].
فإن قيل : المراد مشركو العرب ، لأنه ـ تعالى ـ وصفهم بأنهم لا يعلمون ، وأهل الكتاب أهل العلم.
[قلنا](٣) : المراد أنهم لا يعلمون التوحيد والنبوة كما ينبغي ، وأهل الكتاب كانوا كذلك.
وقال قتادة وأكثر المفسرين : هم مشركو العرب لقوله : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء : ٥] ، وقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) [الفرقان : ٢١].
وتقرير هذه الشبهة أنك تقول : إن الله ـ تعالى ـ يكلّم الملائكة وكلم موسى ، ويقول : يا محمد إن الله ـ تعالى ـ كلّمك فلم لا يكلمنا مشافهة ، ولا ينص على نبوتك
__________________
ـ الأدب : ٨ / ٥١٣ ، ١٠ / ٢٢٩ ، ١١ / ٤٥ ، ٣١٣ ، ورصف المباني : ص ٤٠٨ ، والزهرة : ص ١٩٣ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٣١٦ ، وشرح التصريح : ٢ / ٤١ ، وشرح ابن عقيل : ص ٣٢٢ ، ومغني اللبيب : ١ / ٧٤ ، وهمع الهوامع : ٢ / ٦٧. والدر المصون : ١ / ٣٥٦.
(١) انظر السبعة : ١٦٩.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٥٥٤) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٠٨) وزاد نسبته لعبد بن حميد.
(٣) في ب : فالجواب.