وقدره الزمخشري رحمهالله تعالى كان كيت وكيت ، فجعله ظرفا ، ولكن عامله مقدر.
و «ابتلى» وما بعده في محلّ خفض بإضافة الظرف إليه.
وأصل ابتلى : ابتلو ، فألفه عن «واو» ؛ لأنه «من بلا يبلو» أي ؛ اختبر.
و «إبراهيم» مفعول مقدم ، وهو واجب التقديم عند جمهور النحاة ؛ لأنه متى اتّصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول وجب تقديمه ، لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ، هذا هو المشهور (١) ، وما جاء على خلافه عدوه ضرورة.
__________________
(١) حاصل المواضع التي يتقدم فيها المفعول على وجوه ثلاثة :
الأولى : ـ أن يكون المفعول ضميرا متصلا ، والفاعل اسما ظاهرا ، نحو : (ضربك زيد) فرارا من فصل الضمير مع إمكان اتصاله.
الثانية : ـ أن يحصر الفاعل بإنما اتّفاقا ، نحو : (إنما ضرب محمدا بكر).
وإنما وجب توسّطه لما ذكرناه ، فإن مضروبية محمد مقصورة على بكر ، وضاربية بكر على الاحتمال ، فلو أخّر المفعول ، لانعكس المعنى ؛ ولذلك شاهد من الكتاب الكريم ، وهو قوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فالعلماء فاعل محصور فيه الخشية ، فوجب تأخيره.
وكذلك الحكم فيما إذا حصر الفاعل ب «إلّا» عند غير الكسائي ، نحو : (ما ضرب عمرا إلّا زيد) ؛ حملا على «إنما» ؛ طردا للباب على وتيرة واحدة.
أما الكسائي : فيقول بجواز تقديم الفاعل المحصور ب «إلّا» ، مثل ما سبق عنه من إجازته تقديم المفعول المحصور ب «إلّا» ، حيث قدمت (إلا) صح المحصور ؛ واستدل لذلك بقول الشاعر.
ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم |
|
ولا جفا قطّ إلا جبأ بطلا |
فقد تقدم فيه الفاعل المحصور ب «إلّا» معنا في الموضعين ، والأصل : ما عاب فعل ذي كرم إلا لئيم ولا جفا بطلا إلا جبأ».
وبقول الآخر :
فلم يدر إلا الله ما هيّجت لنا |
|
أهلة أنآء الديار وشامها |
فقدم الفاعل المحصور ب «إلّا» على المفعول ، وهو ما هيجت والأصل : فلم يدر ما هيّجت لنا إلا الله.
وهذا البيت لذي الرمة غيلان ، والصواب في ذكره ما سبق ، فمن إنشاده من ذكر «أهلة» بدل «عشية» ، والأهلة جمع هلال ؛ وهو ما تقوس وانحنى وأنآء جمع نؤي ؛ وهو الحفر حول الخباء أو الخيمة ، يدفع المطر ويصده عنها ، وشامها جمع شامة ؛ وهي الأثر الأسود في الأرحل.
والجمهور على خلاف ما ذهب إليه الكسائي ؛ فهم يقولون : إن «ما هيجت» ليست مفعول الفعل المذكور ، بل لفعل مقدر ، تقديره : (يرى ما هيجت لنا) ، أي : ما أثارت ، و «أهلة» منصوب على الظرف مضافة إلى أنآء الديار.
وقيل : إن أنآء جمع نأي ، وهو البعد ، والتقدير : أنآء أهل الديار فسمى أهل الديار ديارا تسمية للحال باسم المحل ، وشامها فاعل هيجت ، ويروى «أهلة وعشية» بالرفع ، فإن صحّ ، فيكون فاعل «هيجت» ، وعليه فينتصب وشامها على المفعولية.
ويقول آخر :
نبّئتهم عذّبوا بالنّار جارهم |
|
وهل يعذّب إلّا الله بالنّار |
فقدم الفاعل المحصور ب «إلّا» على المجرور ب «الباء» ، وطوى ذكر المفعول ، و «هل» فيه بمعنى «ما» النافية ، والأصل : (ما يعذب أحد أحدا بالنار إلّا الله). ـ