وقرأ ابن عباس (١) وأبو الشعثاء وأبو حنيفة بالعكس. قالوا : وتأويلها دعا ربه ، فسمى دعاءه ابتلاء مجازا ؛ لأن في الدعاء طلب استكشاف لما تجري به المقادير.
والضمير المرفوع في «فأتمّهنّ» فيه قولان :
أحدهما : أنه عائد على «ربّه» أي : فأكملهن.
والثاني : أنه عائد على «إبراهيم» أي : عمل بهن ، ووفّى بهن.
وهو إبراهيم بن تارح بن ناحور مولده ب «الشوس» من أرض «الأهواز».
وقيل : «بابل» ، وقيل : «كولى» وقيل «كسكر» وقيل : «حيران».
ونقله أبوه إلى «بابل» أرض نمرود بن كنعان ، وكان له أربع بنين : إسماعيل وإسحاق ومدين ومدائن ، ذكره السهيلي.
فصل فيما دلت عليه السورة
اعلم أنه ـ سبحانه وتعالى ـ لما شرح وجوه نعمه على بني إسرائيل شرح قبائحهم في أديانهم وأعمالهم ، وختم هذا الفصل بشرح النعم بقوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٢٢] بين نوعا آخر من البيان ، وهو أن ذكر قصة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ والحكمة فيه أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ معترف بفضله جميع الطّوائف ، والمشركون أيضا معترفون بفضله متشرّفون بأنهم من أولاده ، ومن ساكني حرمه ، وخادمي بيته ، فذكر فضيلته لهم ؛ لأنها تدلّ على قبول محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من وجوه :
أحدها : أنه تعالى لما أمره ببعض التكاليف ، فلما وفّى بها وخرج لا جرم نال النبوة والإمامة.
وثانيها : أنه لما طلب الإمامة لذريته فقال تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فدلّ ذلك على أنّ من أراد هذا المنصب وجب عليه ترك اللّجاج والتعصّب للباطل.
وثالثها : أن الحج (٢) من خصائص دين محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فحكى الله ـ تعالى ـ ذلك عن
__________________
(١) انظر الشواذ : ١٧ ، والبحر المحيط : ١ / ٥٤٥ ، والدر المصون : ١ / ٣٦٠.
(٢) الحجّ لغة : القصد ؛ ومنه : حجّ إلينا فلان ، أي : قدم.
انظر لسان العرب : ٢ / ٧٧٨ ، المغرب : ١٠٣ ، المصباح المنير : ١ / ١٢١.
واصطلاحا :
عرفه الحنفيّة بأنه : قصد موقع مخصوص وهو البيت ـ ، بصفة مخصوصة ، في وقت مخصوص ، بشرائط مخصوصة.
عرفه الشافعية بأنه : قصد الكعبة للنّسك.
عرفه المالكية بأنه : هو وقوف بعرفة ليلة عاشر ذي الحجة ، وطواف بالبيت سبعا ، وسعي بين الصفا والمروة كذلك ، على وجه مخصوص بإحرام. ـ