وقال يمان بن رباب : هي محاجّته قومه ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والضيافة ، والصبر عليها.
وقال بعضهم : هي قوله : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [البقرة : ١٣١].
وقال سعيد بن جبير : هو قول إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان البيت : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة : ١٢٧] الآية.
وقيل : هي قوله : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) [الشعراء : ٧٨] الآيات.
قال القفّال : وجملة القول أن الابتلاء يتناول إلزام كلّ ما في فعله كلفة شدة ومشقة ، فاللفظ يتناول مجموع هذه الأشياء ، ويتناول كل واحد منها ، فلو ثبتت الرواية في الكل وجب القول بالكل ، ولو ثبتت الرواية في البعض دون البعض ، [فحينئذ يقع بين هذه الروايات](١) ، فوجب التوقّف.
فصل في وقت هذا الابتلاء
قال القاضي : هذا الابتلاء إنما كان قبل النبوة ؛ لأنّ الله ـ تعالى ـ جعل قيامه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهنّ كالسبب لأن يجعله الله إماما ، والسبب مقدم على المسبّب ، وإذا كان كذلك فالله ـ تعالى ـ ابتلاه بالتكاليف الشّاقّة ، فلما وفّى بها لا جرم أعطاه خلعة النبوة والرسالة.
وقال غيره : إنه بعد النبوة ، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم كونه مكلفا بتلك التكاليف إلا من الوحي ، فلا بد من تقدم الوحي على معرفته.
وأجاب القاضي : بأنه يحتمل أنه ـ تعالى ـ أوحى إليه على لسان جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذه التكاليف ، فلما تمّم ذلك جعله نبيّا مبعوثا إلى الخلق.
إذا عرفت هذا فنقول : قال القاضي : يجوز أن يكون المراد بالكلمات ما ذكر الحسن من أمر الكواكب والشمس والقمر ، فإنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ابتلي بذلك قبل النبوة.
وأما ذبح الولد والهجرة والنار ، وكذا الختان ، فكل ذلك بعد النبوة.
يروى أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ختن نفسه ، وكان سنه مائة وعشرين سنة.
ثم قال : فإن قامت الدلالة السمعية القاهرة على أن المراد من الكلمات هذه الأشياء كان المراد من قوله : «أتمهن» أنه ـ سبحانه ـ علم من حاله أنه يتمهن ، ويقوم بهن بعد النبوة ، فلا جرم أعطاه خلعة الإمامة والنبوة.
فصل
قال القرطبي رحمهالله روى في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن
__________________
(١) في أ : وجب التعارض.