الجسمين إلى الآخر بحيث يماسّه بمسطحه ، يقال : لقي هذا ذاك إذا ماسّه ، واتصل به ، ولما كانت الملاقاة بين الجسمين المدركين سببا لحصول الإدراك بحيث لا يمتنع إجراء اللفظ عليه ، وجب حمله على الإدراك ؛ لأن إطلاق لفظ السبب على معنى المسبّب من أقوى وجوه المجاز ، فثبت أنه يجب حمل لفظ اللّقاء على الإدراك [أكثر ما في الباب أنه ترك هذا المعنى في بعض الصّور بدليل يخصه ، فوجب إجراؤه على الإدراك](١) في البواقي.
وعلى هذا التقرير زالت السّؤالات.
وأما قوله : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً) [التوبة : ٧٧] الآية.
قلنا : لأجل الضرورة ؛ لأن المراد : إلى يوم يلقون جزاءه وحكمه ، والإضمار على خلاف الدليل ، فلا يصار إليه إلّا عند الضرورة.
وأما قوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) فلا ضرورة في صرف اللفظ عن ظاهره ، ويمكن أن يقال ملاقاة كل أحد بحسبه ، فالمؤمن من يلقى الله ، وهو عنه راض ، فيثيبه ، وينعم عليه بأنواع النعم. والكافر والحالف الكاذب يلقى الله ، وهو عليه غضبان ، فيعذبه بأنواع العقاب ، كما أن خاصّة الأمير يلقون الأمير ، وهو راض عنهم ، فيعطيهم وينعم عليهم ، وأما اللّص وقاطع الطريق إذا لقوا الأمير عاقبهم ، وقطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم بما استحقوا ، وشتّان بين اللقاءين.
قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ)(٤٧)
أعاد الكلام توكيدا للحجّة عليهم ، وتحذيرا من ترك اتباع محمد عليه الصلاة والسلام.
قوله : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ) «أن» وما في حيّزها في محلّ نصب لعطفها على المنصوب في قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) أي : اذكروا نعمتي وتفضيلي إيّاكم ، والجار متعلّق به ، وهذا من باب عطف الخاصّ على العام ؛ لأن النعمة تشمل التّفضيل.
والفضل : الزيادة في الخير ، واستعماله في الأصل التعدّي ب «على» ، وقد يتعدّى ب «عن» إمّا على التضمين ، وإما على التجوّز في الحذف ؛ كقوله : [البسيط]
٤٦٠ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب |
|
عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني (٢) |
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) البيت لذي الإصبع العدواني ينظر أدب الكاتب : ص ٥١٣ ، والأزهية : ص ٢٧٩ ، وخزانة الأدب : ٧ / ١٧٣ ، ١٧٧ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ، والدرر ٤ / ١٤٣ ، ولسان العرب (فضل) ، (دين) ، والمقاصد النحوية : ٣ / ٢٨٦ ، ومغني اللبيب : ١ / ١٤٧ ، وسمط اللآلي : ص ٢٨٩ ، والأغاني : ٣ / ١٠٨ ، وإصلاح المنطق : ص ٣٧٣ ، وأمالي المرتضى : ١ / ٢٥٢ ، وجمهرة اللغة : ص ٥٩٦ ، وشرح التصريح : ٢ / ١٥ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ٤٣٠ ، والمؤتلف والمختلف : ص ١١٨ ، ولكعب الغنوي في الأزهية : ص ٩٧ ، والأشباه والنظائر : ١ / ٢٦٣ ، ٢ / ١٢١ ، ٣٠٣ ، والإنصاف : ١ / ٣٩٤ ، الدر المصون : ١ / ٢١٣.