بمحذوف ، التقدير : واجعل من ذريتي إماما ؛ لأن (إِبْراهِيمَ) فهم من قوله : إني جاعلك للنّاس إماما الاختصاص فسأل أن يجعل من ذرّيته إماما.
قال شهاب الدّين (١) : إن أراد الشيخ التعلّق الصناعي ، فيتعدّى «جاعل» لواحد ، فهذا ليس بظاهر.
وإن أراد التعلق المعنوي ، فيجوز أن يريد ما يريده أبو البقاء ، ويجوز أن يكون «من ذرّيّتي» مفعولا ثانيا قدم على الأول ، فيتعلّق بمحذوف ، وجاز ذلك لأنه ينعقد من هذين الجزءين مبتدأ وخبر لو قلت : «من ذريتي إمام» لصح.
وقال ابن عطية : وقيل هذا منه على جهة الاستفهام عنهم أي : ومن ذرّيتي يا رب ماذا يكون؟ فيتعلّق على هذا بمحذوف ، ولو قدره قبل «من ذرّيّتي» لكان أولى ؛ لأن ما في حيّز الاستفهام لا يتقدم عليه.
وفي «ذرية» ثلاث لغات ضمّ الذال وكسرها وفتحها ، وبالضم قرأ الجمهور ، وبالفتح قرأ (٢) أبو جعفر الداني وبالكسر قرأ زيد بن ثابت. وفي تصريفها كلام طويل يحتاج الناظر فيه إلى تأمل.
فصل في اشتقاق ذريّة
فأما اشتقاقها ففيه أربعة مذاهب :
أحدها : أنها مشتقة من «ذروت».
الثاني : من «ذريت».
الثالث : من ذرأ الله الخلق.
الرابع : من الذّرّ.
وأما تصريفها فذرّيّة بالضم إن كانت من ذروت ، فيجوز فيها أن يكون وزنها «فعّولة» ، والأصل : «ذرّووة» ، فاجتمع واوان : الأولى زائدة للمد ، والثانية لام الكلمة فقلبت لام الكلمة ياء تخفيفا ، فصار اللفظ «ذرّوية» ، فاجتمع ياء وواو ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت في الياء التي هي منقلبة من لام الكلمة ، وكسر ما قبل الياء ، وهي الراء للتجانس.
ويجوز أن يكون وزنها «فعّيلة» ، والأصل : «ذرّيوة» ، فاجتمع ياء المد والواو
__________________
(١) ينظر الدر المصون : ١ / ٣٦١.
(٢) انظر البحر المحيط : ١ / ٥٤٨ ، والدر المصون : ١ / ٣٦١ ، ونسب القرطبي القراءتين لزيد بن ثابت.
انظر القرطبي : ٢ / ٧٤.