والنّيل : الإدراك ، وهو العطاء أيضا ، نال ينال نيلا فهو نائل ، وقرأ حمزة وحفص بإسكان الياء من : «عهدي» ، والباقون بفتحها.
فصل في تحرير معنى العهد
اختلفوا في العهد ، فقيل : الإمامة.
وقال السدي : النبوة ، وهو قول ابن عباس.
وقال عطاء : رحمتي (١).
وقيل : عهده أمره ، ويطلق على الأمر ، قال سبحانه وتعالى : (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) [آل عمران : ١٨٣] أي : أمرنا ، وقال تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ) [يس : ٦٠] يعني : ألم أقدم إليكم الأمر به ، فيكون معنى قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي : لا يجوز أن يكونوا بمحلّ من يقبل أوامر الله.
[قال قتادة رحمهالله تعالى : هو الإيمان.
وقال مجاهد والضحاك رحمهماالله هو طاعتي ، أي : ليس لظالم أن يطاع في ظلمه (٢)
ومعنى الآية : لا ينال ما عهدت إليك من النبوة والإمامة من كان ظالما من ولدك.
وقال أبو عبيدة رحمهالله تعالى : العهد الأمان من النار ؛ لقوله عزوجل : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ)](٣) [الأنعام : ٨٢]
قال ابن الخطيب : والأول أولى ؛ لأنه جواب لسؤال الإمامة.
فإن قيل : أفما كان إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ عالما بأن النبوة لا تليق بالظّالمين؟
فالجواب : بلى ، ولكن لم يعلم حال ذرّيته ، فبيّن الله ـ تعالى ـ أن فيهم من هذا حاله ، وأن النبوة إنما تحصل لمن ليس بظالم.
فصل في عصمة الأنبياء
الآية تدلّ على عصمة الأنبياء من وجهين.
الأول : أنه قد ثبت أن المراد من هذا العهد : الإمامة ، ولا شكّ أن كل نبي إمام ، فإن الإمام هو الذي يؤتم به ، والنبي أولى الناس ، وإذا دلّت الآية على أن الإمام لا يكون فاسقا ، فبأن تدلّ على أن الرسول لا يجوز أن يكون فاسقا فاعلا للذنب والمعصية أولى.
الثاني : أنّ العهد إن كان هو النبوة ، وجب أن تكون لا ينالها أحد من الظّالمين ،
__________________
(١) انظر تفسير الطبري (٣ / ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢٢) رقم (١٩٥٦).
(٣) سقط في ب.