وإن كان هو الإمامة ، فكذلك لأن كل نبي لا بد وأن يكون إماما يؤتم به ، وكل فاسق ظالم لنفسه ، فوجب ألّا تحصل النبوة لأحد من الفاسقين.
فصل في أنه هل يجوز عقد الإمام للفاسق؟
قال الجمهور من الفقهاء والمتكلّمين : الفاسق حال فسقه لا يجوز عقد الإمامة له ، واختلفوا في أنّ الفسق الطّارىء هل يبطل الإمامة أم لا؟
واحتج الجمهور على أنّ الفاسق لا يصلح أن تعقد له الإمامة بهذه الآية ، ووجه الاستدلال بها من وجهين :
[الأول : ما بيّنا أن قوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) جواب لقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) وقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) طلب الإمامة الّتي ذكرها الله تعالى ، فوجب أن يكون المراد بهذا العهد هو الإمامة ، ليكون الجواب مطابقا للسؤال ، فتصير الآية كأنه ـ تعالى ـ قال : لا ينال الإمامة الظّالمين ، وكل عاص فإنه ظالم لنفسه ، فكانت الآية دالّة على ما قلناه](١).
فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي انتفاء كونهم ظالمين ظاهرا وباطنا ولا يصح ذلك في الأئمة والقضاة.
[قلنا](٢) : أما الشيعة [فيستدلون](٣) بهذه الآية على صحة قولهم في وجوب العصمة ظاهرا وباطنا.
وأما نحن فنقول : مقتضى الآية ذلك إلّا أنا تركنا عبارة الباطن ، فتبقى العدالة الظاهرة معتبرة.
فإن قيل : أليس أن يونس عليه الصلاة والسلام قال : (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٧] وقال آدم : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣]؟
قلنا : المذكور في الآية هو الظلم المطلق ، وهذا غير موجود في آدم ويونس عليهماالسلام.
الوجه الثاني : أن العهد قد يستعمل في كتاب الله بمعنى الأمر ، قال الله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) [يس : ٦٠] يعني : ألم آمركم بهذا؟
وقال الله تعالى : (قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) [آل عمران : ١٨٣] يعني أمرنا ، ومنه عهود الخلفاء إلى أمرائهم وقضاتهم. إذا ثبت أن عهد الله هو أمره فنقول : لا يخلو قوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) من أن يريد أن الظالمين غير مأمورين وأن الظالمين لا يجوز أن يكونوا بمحلّ من يقبل منهم أوامر الله تعالى ، ولما بطل الوجه الأول لاتفاق المسلمين
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : فالجواب.
(٣) في أ : فيشترطون.