على أن أوامر الله ـ تعالى ـ لازمة للظالمين ، كلزومها لغيرهم ثبت الوجه الآخر ، وهو أنهم غير مؤتمنين على أوامر الله ـ تعالى ـ وغير مقتدى بهم فيها ، فلا يكونون أئمة في الدّين ، فثبت بدلالة الآية بطلان إمامة الفاسق ، قال عليهالسلام : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (١) ودل أيضا على أن الفاسق لا يكون حاكما ، وأن أحكامه لا تنفذ إذ ولّي الحكم ، وكذلك لا تقبل شهادته ، ولا خبره [عن النبي صلىاللهعليهوسلم ولا فتياه إذا أفتى ، ولا يقدّم للصّلاة ، وإن كان هو بحيث لو اقتدى به ، فإنه لا تفسد صلاته](٢).
وقال أبو بكر الرّازي : «ومن النّاس من يظن أن مذهب أبي حنيفة أن يجوز كون الفاسق إماما وخليفة ، ولا يجوز كون الفاسق قاضيا» ، قال : وهذا خطأ ، ولم يفرق أبو حنيفة بين الإمام والحاكم في أن شرط كل واحد منهما العدالة ، وكيف يكون خليفة ، وروايته غير مقبولة ، وأحكامه غير نافذة.
قال : وإنما غلط من غلط في هذه الرواية أن قول أبي حنيفة : أن القاضي إذا كان عدلا في نفسه ، وتولى القضاء من إمام جائر فإنّ أحكامه نافذة ، والصّلاة خلفه جائزة ؛ لأن القاضي إذا كان عدلا في نفسه ، ويمكنه تنفيذ الأحكام كانت أحكامه نافذة ، فلا اعتبار في ذلك بمن ولّاه ؛ لأن الذي ولّاه بمنزلة سائر أعوانه ، وليس شرط أعوان القاضي أن يكونوا عدولا ، ألا ترى أن أهل بلد لا سلطان عليهم لو اجتمعوا على الرّضا بتولية رجل عدل منهم القضاء حتى يكونوا أعوانا له على من امتنع من قبول أحكامه لكان قضاؤه نافذا ، وإن لم يكن له ولاية من جهة إمام ولا سلطان. والله أعلم.
فصل في أخذ الأرزاق من الأئمة الظّلمة
ونقل القرطبي رحمهالله تعالى عن ابن خويزمنداد أنه قال : وأما أخذ الأرزاق من الأئمّة الظلمة فله ثلاثة أحوال : إن كان جميع ما في أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة ، فجائز أخذه ؛ وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجّاج وغيره.
وإن كان مختلطا حلالا وظلما ، كما في أيدي الأمراء اليوم ، فالورع تركه ، ويجوز
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح (٩ / ١٥٩) كتاب أخبار الآحاد باب إجازة خبر الواحد حديث رقم (٧٢٥٧).
ومسلم في الصحيح (٣ / ١٤٦٩) كتاب الإمارة (٣٣) باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (٨) حديث رقم (٣٩ / ١٨٤٠) وأبو داود في السنن كتاب الجهاد باب ٩٥.
والنسائي في السنن كتاب البيعة باب ٣٢ ـ وأحمد في المسند (٤ / ٤٢٦ ، ٤٢٧ ، ٤٣٢ ، ٤٣٦) ، (٥ / ٦٦ ، ٧٠) ـ والبيهقي في السنن (٨ / ١٥٦) ـ والحاكم في المستدرك (٣ / ٤٤٣) ـ وابن أبي شيبة (١٢ / ٥٤٥) ـ والطبراني في الكبير (٣ / ٢٣٧) ، (١٨ / ١٥٠ ، ١٧١ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ٢٢٩) ـ وذكره الهيثمي في الزوائد (٥ / ١٢٩).
(٢) سقط في أ.