للمحتاج أخذه ، وهو كلصّ في يده مال مسروق ، ومال حلال ، [وقد وكله فيه رجل ، فجاء اللص يتصدق به على إنسان](١) ، فيجوز أن تؤخذ منه الصّدقة ، وكذلك لو باع أو اشترى كان العقد صحيحا لازما ، وإن كان الورع التنزّه عنه ، وذلك أن الأموال لا تحرم بأعيانها ، [وإنما تحرم لجهاتها ، وإن كان في أيديهم ظلما صراحا ، فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم](٢) ، ولو كان ما في أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ، ولا مطالب ، فهو كما لو وجد في أيدي اللصوص وقطّاع الطريق [ويجعل في بيت المال](٣).
قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(١٢٥)
«إذ» عطف على «إذ» قبلها ، وقد تقدم الكلام فيها ، و «جعلنا» يحتمل أن يكون بمعنى «خلق» و «وضع» فيتعدّى لواحد ، وهو «البيت» ، ويكون «مثابة» نصبا على الحال وأن يكون بمعنى «صيّر» فيتعدى لاثنين ، فيكون «مثابة» هو المفعول الثاني. والأصل في «مثابة» «مثوبة» فأعلّ بالنقل والقلب ، وهل هو مصدر أو اسم مكان قولان؟
وهل الهاء فيه للمبالغة ك «علّامة» و «نسّابة» لكثرة من يثوب إليه ، أي يرجع ، أو لتأنيث المصدر ك «مقامة» أو لتأنيث البقعة؟ ثلاثة أقوال ، وقد جاء حذف هذه الهاء ؛ قال ورقة بن نوفل : [الطويل]
٧٧٦ ـ مثاب لأفناء القبائل كلّها |
|
تخبّ إليها اليعملات الذّوامل (٤) |
وقال : [الرمل]
٧٧٧ ـ جعل البيت مثابا لهم |
|
ليس منه الدّهر يقضون الوطر (٥) |
وهل معناه من ثاب يثوب أي : رجع أو من الثواب الذي هو الجزاء؟
قولان :
أظهرهما : أولهما قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير رضي الله عنهم : إنهم يثوبون إليه في كل عام.
وعن ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما : [أنه لا ينصرف عنه أحد إلا وهو يتمنى
__________________
(١) في أ : متصدق بالقرب على إنسان.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.
(٤) ينظر اللسان (ثوب) ، القرطبي : ٢ / ٧٦ ، الدر المصون : ١ / ٣٦٣ ، المحرر الوجيز : ١ / ٢٠٧.
(٥) ينظر البحر : ١ / ٥٥١ ، الدر المصون : ١ / ٣٦٣.