العود إليه](١) ، وقرأ الأعمش (٢) وطلحة «مثابات» جمعا ، ووجهه أنه مثابة لكلّ واحد من الناس.
قوله تعالى : (لِلنَّاسِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلّق بمحذوف ؛ لأنه صفة لمثابة ومحلّه النصب.
والثاني : أنه متعلّق بجعل أي : لأجل الناس يعني مناسكهم.
قوله تعالى : (وَأَمْناً) فيه وجهان :
أحدهما : أنه عطف على «مثابة» وفيه التأويلات المشهورة : إما المبالغة في جعله نفس المصدر ، وإما على حذف مضاف ، أي : ذا أمن ، وإما على وقوع المصدر موقع اسم الفاعل ، أي : آمنا ، على سبيل المجاز كقوله : (حَرَماً آمِناً) [العنكبوت : ٦٧].
والثاني : أنه معمول لفعل محذوف تقديره : وإذ جعلنا البيت مثابة ، فاجعلوه آمنا لا يعتدي فيه أحد على أحد.
والمعنى : أن الله جعل البيت محترما بحكمه ، وربما يؤيد هذا بقراءة (٣) : «اتّخذوا» على الأمر ، فعلى هذا يكون «وأمنا» وما عمل فيه من باب عطف الجمل عطفت جملة أمرية على خبرية ، وعلى الأول يكون من عطف المفردات.
فصل في تحرير المقصود من البيت
اعلم أنه لما ذكر أمر تكليف إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بالإمامة ذكر بعده التكليف الثاني ، وهو تطهير البيت ، فنقول : المراد بيت الله الحرام ؛ لأن الألف واللام فيه : إما للعهد أو للجنس ، وقد علم المخاطبون أنه لم يرد الجنس ، فانصرف إلى المعهود عندهم وهو الكعبة.
قال ابن الخطيب : وليس المراد نفس الكعبة ؛ لأنه ـ تعالى ـ وصفه بكونه «أمنا» وهذا صفة لجميع الحرم لا الكعبة فقط بدليل جواز إطلاق البيت ، والمراد منه كل الحرم.
قال تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥] والمراد الحرم كله لا الكعبة نفسها ؛ لأنه لا يذبح في الكعبة ، ولا في المسجد الحرام ، وقال تعالى : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨].
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢٦ ـ ٢٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٢٢).
(٢) انظر الشواذ : ٩ ، والبحر المحيط : ١ / ٥٥١ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٢٠٧ ، والدر المصون : ١ / ٣٦٤ ، والقرطبي : ٢ / ٧٦ ، والتخريجات النحوية : ٥٩ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٤١٧.
(٣) وهي قراءة الجمهور ، قرأ بها : ابن كثير وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي.
انظر الحجة : ٢ / ٢٢٠ ، وحجة القراءات : ١١٣ ، وإتحاف : ١ / ٤١٧ ، وشرح الطيبة : ٤ / ٦٧ ، وشرح شعلة : ٢٧٦ ، والعنوان : ٧١.