والمقام هنا مكان القيام ، وهو يصلح للزمان والمصدر أيضا. وأصله : «مقوم» فأعل بنقل حركة «الواو» إلى السّاكن قبلها ، وقبلها ألفا ، ويعبر به عن الجماعة مجازا ؛ كما يعبر عنهم بالمجلس ؛ قال زهير : [الطويل]
٧٧٨ ـ وفيهم مقامات حسان وجوههم |
|
وأندية ينتابها القول والفعل (١) |
قوله : (مُصَلًّى) مفعول «اتّخذوا» ، وهو هنا اسم مكان أيضا ، وجاء في التفسير بمعنى قبلة.
وقيل : هو مصدر ، فلا بد من حذف مضاف أي : مكان صلاة ، وألفه منقلبة عن واو ، والأصل : «مصلّو» ؛ لأن الصلاة من ذوات «الواو» كما تقدم أول الكتاب.
فصل في المقصود بالمقام
اختلفوا في «المقام» فقال الحسن والربيع بن أنس وقتادة : هو موضع الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين غسلت رأسه ، فوضع إبراهيم ـ عليهالسلام ـ رجله عليه ، وهو راكب فغسلت أحد شقّي رأسه ، ثم رفعته من تحته ، وقد غاصت رجله في الحجر ، فوضعته تحت الرجل الأخرى ، فغاصت رجله أيضا فيه ، فجعله الله ـ تعالى ـ من معجزاته (٢) يروى أنه كان موضع أصابع رجليه بيّنا فاندرس من كثرة المسح بالأيدي ، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم أن إبراهيم عليهالسلام كان يبني البيت وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة : ١٢٧] فلما ارتفع البنيان وضعف إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن وضع الحجارة قام على حجر وهو مقام إبراهيم عليهالسلام ، وقال مجاهد رحمهالله وإبراهيم النخعي رضي الله عنه (٣) : «مقام إبراهيم الحرم كله» وقال يمان : المسجد كله مقام إبراهيم عليه الصلام والسلام.
[وقال عطاء : إنه عرفة والمزدلفة والجمار ، وقال ابن عباس : «الحج كله مقام إبراهيم](٤).
واتفق المحققون على أن القول الأول أولى لما روى جابر ـ رحمة الله عليه ـ أنه عليه الصّلاة والسلام ـ لما فرغ من الطواف أتى المقام ، وتلا قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(٥).
__________________
(١) ينظر ديوانه : (١١٣) ، القرطبي : ٢ / ١١٢ ، معاني القرآن للزجاج : ١ / ١٨٠ ، اللسان (قوم) ، مجمع البيان : ١ / ٤٥٨ ، الدر المصون : ١ / ٣٦٥.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٥ ـ ٣٦) عن السدّي.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٤) عن مجاهد.
(٤) سقط في أ.
(٥) انظر تفسير الطبري : (٣ / ٣٣).