وروي أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ مرّ بالمقام ، ومعه عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فلم تغب الشمس من فوقهم حتى نزلت الآية (١) ، وقال تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى).
وليس للصلاة تعلق بالحرم ، ولا بسائر المواضع إلا بهذا الموضع ، فيكون مقام إبراهيم هو هذا ، ولو سأل سائل أهل «مكّة» عن مقام إبراهيم لم يجبه أحد ، ولم يفهم منه إلا هذا الموضع لما روي أن الحجر صار تحت قدميه في رطوبة الطّين حتى غاصت فيه رجلا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وذلك من أظهر الدلائل على وحدانية الله ـ تعالى ـ ومعجزة إبراهيم عليهالسلام ، فكان اختصاصه بإبراهيم أولى من اختصاص غيره ، وثبت في الأخبار أنه قام على هذا الحجر عند المغتسل ، ولم يثبت قيامه على غيره ، فحمل هذا اللفظ ، أعني : مقام إبراهيم ـ عليهالسلام ـ على الحجر يكون أولى.
قال القفّال : ومن فسر (٢) «مقام إبراهيم» بالحجر خرج قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) على مجاز قول الرجل : اتخذت من فلان صديقا ، وقد أعطاني الله من فلان أخا صالحا ، وإنما تدخل «من» لبيان المتخذ الموصوف ، ويميزه في ذلك المعنى من غيره.
فصل في تحرير معنى المصلّى
اختلفوا في «المصلّى».
فقال مجاهد رحمهالله تعالى : «هو الدعاء» ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : ٥٦] وإنما ذهب إلى هذا التأويل ليتم له قوله : إن الحرم كله مقام إبراهيم.
وقال الحسن رضي الله عنه : أراد به قبلة إبراهيم.
وقال قتادة والسّدي : أمروا أن يصلوا عنده ، وهذا القول أولى ؛ لأن لفظ «الصّلاة» إذا أطلق يعقل منه الصّلاة الشّرعية وقال عليه الصلاة والسلام لأسامة بن زيد المصلى أمامك يعني به موضع الصلاة. وصلّى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم عنده بعد تلاوة الآية. وهاهنا بحثان وهو أن ركعتي الطواف هل هي فرض أو سنة فإن كان الطواف فرضا فعن الشافعي رحمهالله قولان :
أحدهما : أنهما فرض ؛ لهذه الآية ، فإن الأمر للوجوب.
والثاني : أنهما سنة ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوسلم للأعرابي حين سأله هل عليّ غيرها؟ قال لا إلّا أن تطوع ، وإن كان الطواف سنة فهما سنة.
__________________
(١) انظر تفسير الطبري : (٣ / ٣٢).
(٢) في أ : حمل.